د.عابس الجراري: لا يمكن أن تكون هناك سيادة لغوية إلى إن وقع عليها الإجماع وإيمان بجعلها لغة الحياة العامة

 

إن اللغة العربية في حاجة -لكي تكون لغة العصر وما يجد فيه من معارف وعلوم ووسائل التواصل المستحدثة- إلى أن تعتبر إلى اللغة الأم، أي اللغة الوطنية والرسمية ذات السيادة الكاملة، بعيدا عن أية هيمنة تكون للغة أجنبية كيفما تكن هذه اللغة، وبعيدا كذلك عن كل محاولة لفرض لهجة عامية محلية، مهما يكن لهذه اللهجة من حضور في الواقع أو التراث.

ولا يمكن أن تكون هذه السيادة كاملة إلا إذا تجلت في مختلف المجالات الحيوية للمجتمع، وإلا إذا كان عليها الإجماع، في ثقة بها وإيمان بضرورة تدعيمها وترسيخها، وجعلها لغة الحياة العامة، وفي مختلف المرافق الإدارية، وكل ما يحتاجه المواطن في علاقته بالمؤسسات الرسمية وغيرها؛ دون الاضطرار بتمحل إلى الازدواج اللغوي الذي أضحى ظاهرة شائعة في كثير من الأقطار العربية بعد أن تحررت من الاستعمار؛ مما تكمن خلفه أسباب اجتماعية ونفسية، إلى جانب إغراء منتجات الحضارة الحديثة، مما لا شك يكون له تأثير على وحدة المجتمع الذي يعاني عقدا ومركبات تظهر آثارها على لسانه، بقصد منه وبدون قصد، لرسوخها في وعيه ولا وعيه.

إن اللغة أداة توحيد في المجتمع، لا أداة تفريق.

ولعل مما يرسخ هذه الحقيقة، أن تكون لغة التعليم في جميع مراحله، بما فيها المرحلة الجامعية وما يتصل بها من بحث علمي، بكل ما يقتضيه من اجتهاد في نقل المصطلحات وما إليها مما يجد في هذا البحث على مستوى العالم.

وإنه لخطأ فادح ما يحدث في معظم الجامعات العربية، حين يراد قصر اللغة العربية على الدراسات الأدبية والإنسانية، مع فسح المجال للغة الأجنبية بالنسبة للعلوم التقنية والمعارف العصرية.

ومن العجيب أن الذين يريدون أن تقتصر اللغة العربية على تلك الدراسات وما فيها من حقول فكرية وإبداعية، ينسون أنها هي التي تحتاج إلى معجم أوسع وطاقات تعبيرية أكبر، في حين أن ميادين العلوم الأخرى ـ على سعتها وتعددها ووفرة جديدها ـ لا تتطلب في الاستعمال التخصصي الدقيق، سوى متن محدود تملأه مصطلحات يمكن التغلب بالتعريب والاقتباس على ما عندنا فيها من نقص كثير ومتزايد؛ إضافة إلى ما في التراث العلمي العربي في هذا الباب. (عن كتابه الإصلاح المنشود؛ ص:150).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *