د.مصطفى الطالب*: فيلم “أزرق قفطان” الذي يروج للشذوذ الجنسي سُبّة في حق مدينة سلا العريقة وأهلها وعلمائها وشرفائها حاوره: عبد الصمد إيشن

 

1ــ يدافع بعض المخرجين على السينما المنزوعة من القيم المرجعية عند الشعوب بدعوى احترام حرية الإبداع وغيرها من الحجج ما رأيكم في هذه الدعوات؟

هناك سياقان يحكمان هذا التوجه أو هذه الدعوات، سياق محلي وسياق دولي. فالسياق المحلي يتجلى في كون أن السينمائيين المغاربة الجيل المؤسس والذي يليه، درس السينما خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي في أوروبا إما الشرقية انذاك مثل بولونيا أو الاتحاد السوفياتي وهي دول شيوعية ومادية على مستوى ثقافتها ومجتمعها، أو أوروبا الغربية مثل فرنسا وإيطاليا وغيرها وهي كذلك لها تصورات فلسفية وفنية مادية تختلف عن البيئة الثقافية المغربية أو العربية الإسلامية، فتأثر السينمائيون المغاربة بتلك التصورات الغربية وعند عودتهم لم يسعوا إلى التوفيق بين ثقافتهم الأصلية والثقافة الغربية، بل إلى فرض تلك التصورات الدخيلة على مجتمعنا المغربي الذي له قيمه وثقافته الخاصة به. فجاءت السينما المغربية صادمة للمشاهد المغربي، وإن تطرقت أحيانا للواقع الاجتماعي والسياسي بنظرة نقدية.

أما السياق الدولي فيتمثل في كون الغرب ومنذ أن فرض نظامه العالمي الجديد (1991) وإلى يومنا هذا (القرن 21) وهو يتغنى بمنظومة حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات الشخصية والحريات الفردية ومن بينها حرية الفنان وحرية الإبداع ولا قداسة لشيء آخر إلا الحرية ولو على حساب المساس بمقدسات الشعوب الأخرى ومعتقداتهم وثقافتهم، فتم باسم العولمة، فرض ذلك على الكل، وفي جميع الميادين وخاصة الميدان الفني والسينمائي الذي ساهمت الثورة الرقمية في انتشاره. فاستغل مخرجونا هذا الوضع العالمي للدعوة إلى حرية الإبداع والتي في حقيقة الأمر لا يمكن رفضها إلا إذا تجاوزت حدها.

طبعا هناك من المخرجين من يحاول التوفيق بين الأمرين لكنهم قلة غير مؤثرة.

2ــ أثار فيلم “أزرق القفطان” بعد عرضه بمهرجان مراكش الكثير من الجدل ما هي أبرز انتقاداتكم لهذا الفيلم؟

أثار فيلم “القفطان الأزرق” لمريم التوزاني والذي مثل المغرب بمهرجان مراكش الدولي للفيلم هذه السنة حفيظة لمجتمع المغربي والمتتبعين للشأن السينمائي المغربي، نظرا لحساسية الموضوع الذي يتناوله وهو الشذوذ الجنسي (أو كما يسميه البعض المثلية الجنسية التي تحاول لوبيات غربية فرضها على دول العالم ولو بالتهديد)، وذلك لعدة اعتبارات دستورية واجتماعية وثقافية وقيمية.

فالدستور (والقانون) لا يعترفان ولا يشرعان للمثلية الجنسية التي تتعارض مع ثقافة وقيم المجتمع المغربي. حبذا لو كان الفيلم يعالج الموضوع بطريقة “بريئة” أو يطرح تساؤلات معقولة، لكنه يتضمن دعوة صريحة إلى قبول الشذوذ الجنسي وكأنه أمر عادي، بل وفي إطار مؤسسة الزواج الضامنة لاستقرار المجتمع المغربي. وعليه فهذا الفيلم الذي يطعن في كرامة المرأة (هل تقبل امرأة مغربية بشذوذ زوجها كما في الفيلم؟) ويطعن في كرامة الرجل المغربي. وسبة في حق مدينة سلا العريقة وأهلها وعلمائها وشرفائها وتاريخهم الوطني الناصع.

فالفيلم حتى ولو كان على المستوى الفني متميزا لكنه لا يمثل المجتمع المغربي ولا همومه اليومية وقضاياه الوطنية، فالفيلم الذي حصل أيضا على دعم أجنبي يفتقد للشرعية الثقافية والاجتماعية، يفتقد لـ”التمغريبت” موضوعا وتمثيلا (اعتمد ممثلين غير مغربيين) وكتابة ورؤية.

كان بالإمكان أن يكون للفيلم شرعيته وأهميته لو عكس تساؤلات صادقة ومعالجة فنية للموضوع تنطلق من واقعنا ومحيطنا الثقافي وليس من محيط غريب عنا، يحس المشاهد من خلالها بصدق الطرح وصدق المخرجة في تعاملها مع موضوع حساس فرض علينا بالقوة، ويحتاج إلى نقاش رصين يأخذ بعين الاعتبار الدين والعلم والتحليل النفسي.

3ــ كناقد ومهتم بالشأن السينمائي ما المواصفات التي ترونها مهمة في صناعة سينما مغربية أصيلة؟

أغلبية السينمائيين في العالم العربي يعيشون في حالة انفصال مع محيطهم الثقافي لأنهم يتبنون تصورات مخالفة له، كما يعتقدون أن ما يأتينا من الغرب مقدس وأن الفنان فوق المجتمع، ويظنون أنهم في مهمة دونكشوطية ستكسر كل الطابوهات وستحرر المجتمع من كل التقاليد والدين والقيم وهويته

من المؤسف أن نقول أن أغلبية السينمائيين في العالم العربي يعيشون في حالة انفصال مع محيطهم الثقافي لأنهم يتبنون تصورات مخالفة له، كما يعتقدون أن ما يأتينا من الغرب مقدس وأن الفنان فوق المجتمع، ويظنون أنهم في مهمة دونكشوطية ستكسر كل الطابوهات وستحرر المجتمع من كل التقاليد والدين والقيم وهويته. وهذا يعتبر وهم لأنه لكل مجتمع جذوره التاريخية والحضارية والدينية التي لا يمكن أن تجتث، وعلى المبدع أن يبدع من داخل سياقه الثقافي.

فهم يحتاجون إلى التصالح مع ذواتهم ومع بيئتهم الاجتماعية والعودة إلى الكتابات الأصيلة الحقيقية والعميقة حول الفن وليس المزيفة التي تملأ رفوف مكتباتنا وخزاناتنا. هكذا يمكننا أن نؤسس لسينما مغربية أصيلة نابعة من عمقنا الحضاري والثقافي مع الاستفادة من التراكمات التي حققتها في مسارها على المستوى الفني والتقني والتي مكنتها من الحصول على مكانة في المشهد السينمائي العالمي.

والأصالة لا تحد من حرية المبدع كما يعتقد البعض بل تعطيه مشروعية وتقدير داخل مجتمعه وتجعله في اتصال دائم معه، عوض الاغتراب والانفصال. كما أنها لا تعني الانغلاق ورفض العصرنة.

إضافة إلى أن تصورات ونظريات الغرب للفن والسينما والأدب ليست كتابا منزلا، بل هي اجتهادات أبانت عن قصورها ومحليتها وأنانيتها. فحضارة الغرب حطمت كل الضوابط الثقافية والاجتماعية والقيم الفطرية في الإنسان وأوصلته إلى نفق مسدود.

ــــــــــــــــــــــــــــ

 *د.مصطفى الطالب: ناقد سينمائي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *