مـزاح أم سخريــة؟

 

نهى الله تعالى عن السخرية من الآخرين والاستهزاء بهم، فقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الحجرات:11).

ولا شك أن هذا النهي يشمل حال الجد وحال الهزل، ومع ذلك فإن بعض الناس يتخذ من المزاح سبيلا للسخرية من الآخرين واحتقارهم.

وإذا تأملنا الآية المباركة فسنرى ما يلي:

ـ نهى الله تعالى المؤمنين عن السخرية من الآخرين مهما كانت صفاتهم وأوضاعهم، فلعلَّ مَن يُسخَر منه ويُنظَر إليه نظرة احتقار واستخفاف خيرٌ وأحبُّ إلى الله تعالى من الساخر الَّذي يعتقد بنفسه الكمال، ويرمي غيره بالنقص ويعيِّره.

ـ من أعظم أسباب نهي الله تعالى المؤمنين عن تبادل الشتائم، والتهاتر بالألفاظ القبيحة، أن ذلك يوغر الصدور ويجلب الأحقاد ويوقع العداوة والبغضاء بينهم.

ـ من لم يستجب لله ويبتعد عن احتقار الناس وإيذائهم فقد ظلم نفسه، ومن كان ظالما فقد هيَّأ نفسه لانتقام الله وعقابه.

السخرية والكبر

ومادَّة السخرية لا تنبعث إلا من نفس قد سيطر عليها العُجْبِ والتكبُّر، فهي تعمل على إيذاء من حولها بدافع الشعور بالفوقية المتغلغلة في أعماقها المريضة.

لقد استهان إبليس بآدم وسخر منه قائلاً: {أنا خير منه}، فباء بالخسارة والخذلان، ولو أنه أمعن النظر في صفات آدم لأدرك أنه يمتاز عليه بصفات كثيرة، أوجدها الله تعالى فيه ليكون مخلوقاً متوازن الصفات والاستعدادات، فعنده أرضيَّة للخير واستعداد للسوء، وعقل للتمييز وقلب للتنوير، وبالتالي فإن لديه جميع الملكات الَّتي تصلح كأدوات للصراع بين الخير والشر، يخوضه الإنسان ويميِّز به الخبيث من الطـيِّب، وتتقرَّر درجات الإحسان أو الإساءة.

أمَّا إبليس فإنه لم يكن معتدلاً فبعد أن بلغ رتبة عالية في الطاعة والعبادة، عصى ربه وأصبح زعيماً للشر وأهله، وباء بغضب الله تعالى ولعنته. ولولا دواعي الكبر المتأصِّلة في نفسه، لأدرك الفضل والكرامة لآدم والمكانة المتميزة الَّتي له عند ربِّه، فلم يستهن به ولم يسخر منه. إن سخرية الإنسان من أخيه الإنسان لهي أقصر الطرق لهدم العلاقات الإنسانية، وتمزيق الأُخوَّة الإيمانيَّة شرَّ مُمزَّق، حيث يستعلي المرء بماله، أو حسبه، أو جاهه مفاخرة ومباهاة وتحقيراً للآخرين، دون أن يدرك إمكانية تفوُّقهم عليه بمواصفات لا تتوافر فيه، وهذه كلُّها أسلحة إبليس يضعها بين أيدي الخلائق ليفرِّق بينهم، وليزرع العداوة والبغضاء في قلوبهم. علما بأن أكثر ما يتكبر به هؤلاء ويتباهون به ليس في لحقيقة من كسبهم، بل هو محض فضل وإنعام من الله تعالى ليختبر به عباده ويتبين الصادق من الكاذب.

الفرق بين السخرية واللمز والنبز

إن القرآن الكريم يُذَكِّر الَّذين آمنوا بأنهم حين يتعاملون مع إخوانهم المؤمنين فهم كنفس واحدة فيقول: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُم} فحين يعيب غيره من المؤمنين فكأنما يعيب نفسه.

واللمز هو العيب، ومن اللمز التنابز بالألقاب الَّتي يكرهها أصحابها، ويُحِسُّون بأن إطلاقها عليهم ما هو إلا من قبيل السخرية والعيب، ومن حقِّ المؤمن على المؤمن ألا يناديه بلقب يكرهه ويُزري به، بل حقه أن يناديه بأحب الأسماء إليه.

وإذا انحدر العبد إلى هذه الهوة السحيقة فإنه يعرض نفسه لنقصان الإيمان باستخدام ألفاظ الفسق والفجور، والسخرية والاستهزاء، ومن لم يتب عن نبزه أخاه بما نهى الله عنه من الألقاب، أو لمزه إيَّاه أو السخرية منه، فقد ظلم نفسه وأكسبها عقاب الله بعصيانه إيَّاه.

إن الآية الكريمة تشير إلى ضرورة تجنُّب أمور ثلاثة فيها كلُّ الإساءة إلى المجتمع الإيماني، وهي: السخرية، واللمز، والنَّبْز.

فالسخرية هي أن ينظر الإنسان إلى أخيه بازدراء ويسقطه عن درجته. واللمز هو ذِكر ما في الرجل من عيب في حضوره أو في غيبته. والنَّبْز هو أن يضيف إليه وصفاً يوجب بُغضه والحطَّ من منزلته. وبذلك يضع الإسلام قواعد اللياقة الاجتماعية والأدب النفسي للتعامل في المجتمع الإنساني الفاضل الكريم. وقد روى الإمام مسلم فى صحيحه عن ‏جابر‏ رضي الله عنه قال:‏ ‏سمعت النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول‏: “‏المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده”، وفى سنن ابن ماجه: ‏عن أبي هريرة رضي الله عنه‏ ‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏قال: ‏”‏حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *