أختي لا تكوني توأم كأس.. لا تكوني غانية عبد المغيث موحد

لما اندحر جيش المستعمر الفرنسي أمام سلطان سيف المقاومة الإسلامية في بلاد الجزائر، وتُوِّج ذلك المجهود الجهيد بركوبهم البحر، آفلين إلى بلاد ما يسمونه بزعمهم وطن الثورة، وبلد الحرية والعدالة والمساواة، فما إن وطئت “حوافرهم” أرض الجمهورية الخامسة حتى خاطبهم أحد كبار المسؤولين العسكريين بقولةٍ وجب أن تكتب بماء العيون قال: “لقد هزمتكم امرأة”، فما كان من ضباط الجيش إلا أن اعترضوا على كلامه: أننا سيدي، لم نكن نحارب في ساحة الوغى نساء إنما كنا نواجه رجالا.. فقال لهم: ألم تلدهم امرأة؟ ألم تلدهم امرأة؟

فانظري أختي، لقد فطن أعداء الأمة أعداء الإسلام إلى أن جيل التمكين مصدره رحم المرأة الصالحة، مصدره حضنك حضن المدرسة العالية الأسوار الباسقة الأفنان، فلا غرابة أن يأتي بعد هذا العلم بمكامن القوة عند المسلمين كلام من قبيل “كأس وغانية يفعلان بالمسلمين ما لم تقدر على فعله فوهات المدافع”، ولا غرابة أن يسلطوا علينا أبناءهم بالتبني، أبناءهم من بني جلدتنا الذين شربوا من كأس ثقافتهم ثقافة القشور حتى الثمالة، فباضت لنا صولتُهم زندقة، وفرخت لنا بيضتُهم فسقا وفجورا، فيا للعجب أن يقرأ المرء لبعض المقبوحين الذين تسفلت أقلامهم في النقيصة قوله عن أهل الفضيلة: إنهم أناس يوثرون سجن المرأة تحت عباءة ثوب العفاف، ويفضلون حجبها عن أعين “الخلق”، لأنهم أناس تنقصهم الشجاعة، ويفتقدون لحسن النطق، ويعجزون عن اصطفاء الكلمة الطنانة، ولا يمتلكون أدوات الغزل والعشق التي من شأنها مد جسور التواصل مع فتاة عصر النهضة، ودغدغة نهاياتها العصبية.
والأعجب أن تنشر مجلة يشكو أمرَها لله ورقُها المسطور، وحِبرُها المنشور، مما دس فيها من أفن ورذيلة وقذف وبهتان، تنشر على واجهة الغلاف صورة طفلة في الثامنة من عمرها، وهي ترفل في زينة الحجاب الذي أنار وجهها بضوء الحياء معلِّقة عليها بخط عريض سميك “اغتصاب الطفولة”، والأغرب أن تخصص جريدة اسمها مشتق من “صيغة الجمع للخارج من أحد السبيلين”، ركنا ماجنا داعرا متفسخا تكتبه الكلاب، وتلهث بحرص وحنين على قراءته الكلاب، وكذلك فهم بغير نسيكة سموه: “من القلب إلى القلب”، ونحن نأبى إلا أن نسمي وليد السفاح هذا: “من الكلب إلى الكلب”، ركن يحرص أصحابه على أن يجمعوا له فتات القذارة، وسفاسف الكذب، ثم يوقعونه بمعادلة سينية ثلاثية المجهول- المعذب “ن،خ” أو الحيران “س،ع” مدينة النخيل.
أخيتي، أمَّا قول القائل: أن دعاة الطهر والعفاف أناس يفتقرون إلى…، فسفاهة وهراء، قد يبدو الرد عليه من جنس العبث، لكننا نفتح باب الفروق ليتأتى لك أن تميزي وأنت في ظلمة هذه الأيام الخداعات التي ائتُمِن فيها على عرضك الخائن وصُدِّق فيها الكاذب عليك وتكلم في شأنك الرويبضة.
أخيتي ثمة فرق بين من يريدك لنفسه جليسة ليلة حمراء، ساقية لماء النبيذ، يَصدَع صوتك بأغنية العشق فيطرب له سارق الأحلام وصانع الأفلام وبائع الأوهام ومغتصب الظلام، وبين من يريدك لأمته صانعة أجيال ومربية أعلام وحاضنة عيال.
ولأجل هذا فدعاة الفضيلة مرابطون عند الثغور لا يغمض لهم جفن ولا يهدأ لهم بال يذودون عن عرضك ويحمون برباطة جأش وقوة شكيمة عناوين الشرف وألقاب الكرامة عند عتبة بابك، ولأجل ليلة حمراء فذئاب الشهوات يتصيدون الفرص ويتربصون الدوائر غرضهم تحويل جنسك إلى قطعان هائمة في أودية المسخ وشواطئ الإباحية، حتى إذا ما تم لهم ذلك رأيتهم يتهارشون على بناتنا وأخواتنا وأمهاتنا بسادية لا مثيل لها، فهؤلاء يسارعون لتمزيق الخمار، وأولئك يسعون للكشف عن جيب الصدر، وآخرون يرمون نزع الإزار، ثم يلتقي الجميع للانقضاض عليك وافتراسك بمخالب الفاحشة، فما أبأس الموقف وأنت حينها تكتوين بشهب الشهوات وتصطلين بسُعار المغريات، وأنت حينها تترنحين تحت سياط لهيب الشقاوة وفصامها النكد.
فاجتنبي أيتها العزيزة أن تكوني توأم كأس واحذري أن تكوني غانية فإن القوم لا يريدون منك غير سماع كلمة “هيت لكم أيها الزناة” “هيت لكم أيها المخادعون” فإياك أن تقوليها.
أخيتي، أما تعليقهم عن الصورة بالطفولة المغتصبة فغيبة وبهتان، ذلك أن تجارب القوم تغنينا عن دعاويهم الباطلة، فكم من صغيرة وصغيرة قد اغتصبوا وأزهقت أرواحهن، فتسابقت عين الأقلام باسم حقوق الإنسان تارة وإعمالا لقاعدة أن الأصل في الإنسان البراءة تارة أخرى، لتتناسل السطور في أودية المداهنة وشلالات النفاق ملتمسين المعذرة والعفو لأصحاب هذا النوع من جرائم الغدر، فإليك لا إليهم نقول أن لكل دين خـُلقا، وخلق هذا الدين الحياء، وحجابك حياء وستر وصيانة لأمانة الجسد، فاحذري أختي أن تضيعي هذه الأمانة فإنه لا إيمان لمن لا أمانة له.
وحجابك تكريم وعزة وهو لك بمنزلة المحارة من اللؤلؤة المكنونة، وحجابك غيرة فيها ما يناسب ما جبل عليه الرجل السوي الذي يأبى ويأنف أن تمتد نظرات الغدر وسهاك الخيانة إلى حمى الزوجة وعورة البنات، فهذه أمُّكِ وأمُّنا عائشة رضي الله عنها تحكي بعدما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوها أبو بكر رضي الله عنه وتقول: “كنت أخلع ثيابي في حجتي ولم أكن أتحرج أقول: زوجي وأبي ولما دفن عمر رضي الله عنه كنت أشد علي ثيابي حياء من عمر”، عمر الميت، فيا ليت شعري لو كُنتِ بين ظهرانينا يا حبيبة رسول الله -وحاشاك أن تكوني- فيكفينا منك هذا، ويكفينا منك شهادتك التي بلغتنا عنك وأنت تقولين: “يرحم الله نساء المهاجرين، لما أنزل الله “وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ” شققن مروطهن فاختمرن بها”. (مروطهن: ستائرهن).
أخيتي، الإسلام نعمة أصبغها الله عليك، فأنت تنتمين إلى أمة موصولة بالله، تملك ما لا تملكه سائر الأمم وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فكوني في مستوى التاج الذي وسمك به هذا الدين، واشكري لربك صنيعة الانتساب، فإن الشكر عربون زيادة، والجحود نذير سلب وانتكاس، وتدثري بلباس التقوى الذي يستر السوءة، ويحجب العورة، وإياك ولباس الشهرة والتباهي فإن غاية الحجاب أن يستر زينة المرأة، فكيف إذا آل به المآل أن يصير هو نفسه زينة تشد إليه رحال الأبصار، وتشرئب إليه أعناق الأشرار، واعلمي أن نساء الجاهلية كنَّ يسترن عوراتهن إلا قليلا من الشعر الموجود بناصية الرأس وفتحة الجيب، وهو حال الكثير من نسوة اليوم اللواتي غرهن أمر “الدعاة الجدد” الذين يفتحون -بزعمهم- أبواب شعائر الإسلام أمام الوافدين، يهمهم الكم دون الهيئة والكيف، وكأن الإسلام بات يُعانِي إفلاسا عدديا فأناطوا بأنفسهم مسؤولية منع الحجز أو رد الإجهاز على هذا الدين العظيم، فليسأل هؤلاء عن إبلهم وأما البيت فله رب يحميه، وهو الغالب على أمره سبحانه.
أخيتي، إن حاملي مشروع الحياة الغربية دعاة الإباحية، دعاة العلمانية في البلاد الإسلامية، الذين يقتفون أثر الآخر حذو القذة بالقذة، هم عند الكثير من الشرفاء لا يَقِلـُّون خطرا علينا من الدمار النووي الذي يتوعدنا به أعداؤنا، بل قد لا يبالغ المرء إذا اعتبر أن ما يحملونه من فكر مسموم وفلسفة حموم أشد وطئة وأخطر عقبى، ذلك أن مالكي القوة النووية يميلون بها ميل الوعيد، ميل الردع، وأهل الحداثة يلبسون سمهم ثوب الترياق وأماني الوعد، فلا تغتري بالسراب ولا بالبقيعة.
أخيتي، لا تلتفتي إلى الهمل دعاة الفسق والأفن، وتدبري عواقب الأمور حتى لا تغيب عنك مقاصد البدايات، فإن لكل بداية نهاية، وإني لا أرى نهاية لمن ينابذون الإسلام في نصوصه القاطعة بالفرق بين الذكر والأنثى، والليل والنهار، إلا أن يصير رسمهم في أمر مريج، وأن يحال ذكرهم ليُلقى به في زبالة الأفكار، ونخالة الأذهان، فقولي وردِّدي قول من قال باسمك:
إليكم عني إليكم عني *** فلست منكم ولستم مني

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *