المقالة الرحمانية في التعريف بمخطوط المباحث الفاسية على شرح المكودي للألفية لعلي بن قاسم البطيوي امحمد رحماني

من خزائن التراث المغربي

 لا يكاد يغيب عن أحد من الباحثين المتضلعين في التراث العلمي المغربي وخصوصا الريفي ما قدمه علماء الريف وصلحاؤهم من خدمات جليلة للعلوم الشرعية بكافة أنواعها واختلاف ميادينها، لم تمنعهم من ذلك لغتهم الأمازيغية الأم، بل على العكس من ذلك كانت حافزا لهم لمزيد من العطاء الأمازيغي الخادم للغة القرآن فتجد العديد من علماء الريف من كَتب بلسانه الأمازيغي وهو يشرح الكتاب العربي، فكانت اللغة الأمازيغية بحقٍ حصنا حصينا ومدافعا منيعا للغة العربية.

كيف لا وكتبهم ومؤلفاتهم ومصنفاتهم شاهدة على ذلك الاهتمام المتناهي النظير فألفوا في الأدب واللغة والشعر والنحو والتفسير والحديث والمنطق والتوقيت وعرف منهم: القاضي أبو زيد البربري، والفقيه التوزاني أحمد بن عبد السلام بوحسين، والفقيه الريفي محمد الفحصي، والفقيه العربي التمسماني.. وغيرهم كثير.

وقد وقفت على الكثير من الكتابات والمصنفات الريفية وأنا أبحث في “المخطوطات الأمازيغية في علوم اللغة العربية” وأحببت أن أعرّف بمخطوط من المخطوطات الريفية النادرة في هذا الباب وهو مخطوط: “المباحث الفاسية على شرح المكودي للألفية” لأبي الحسن علي بن قاسم البطيوي، وقبل التعريف بهذا المخطوط النادر لابد من التعريف بصاحبه وهو علم من الأعلام الريفية الراسخة في العلوم الشرعية.

التعريف بالمؤلف:

هو أبو الحسن علي بن قاسم بن علي البطيوي، من علماء المالكية المنسوبة لقبيلة بطيوة الريفية، سماه الشيخ عبد الحي الكتاني في فهرسه(1/224) ب”القاسم” وهو غلط وسبق قلم كما قال ابن سودة في دليل مؤرخ المغرب (ص 212).

عرف رحمه الله بحسن الخلق ووفور الحلم والحياء وعدم التكلف وكثرة المطالعة والانعزال عن الناس منقطعا عن الدنيا وشهواتها ترجم له تلميذه الشيخ محمد بن أحمد ميارة الفاسي في نظم اللئالئ والدرر فقال: [الإمام العالم العلامة المشارك الدراكة الفهامة صاحب التقاييد الكثيرة والفوائد النثيرة الضابط المتقن المحقق ذو الخلق الحسن]، وقال عنه أيضا: [كان شيخنا المذكور رحمه الله عالما متفننا زاهدا مولعا بالخلوة للذكر والمطالعة والتقييد تاركا للأسباب الدنيوية ملازما لبيته منعزلا عن الناس نسخ بخطه كتبا عديدة].

اشتهر رحمه الله بعدم التكلف في القراءة عليه، وكان يملك نسخة من صحيح البخاري نسخت من أصل ابن سعادة وعليها قابل الشيخ ميارة نسخته من الصحيح وهو يسردها على البطيوي رحمه الله.

له مصنفات وتقاييد كثيرة نذكر منها:

حاشية على تحفة ابن عاصم: ذكرها الشيخ ميارة في نظم اللئالئ.

الفهرست: نسبها له صاحب التحفة القادرية ولم يشر لها الشيخ ميارة في ترجمته له.

طررعلى بعض التآليف: قل عنها الشيخ ميارة [قيد رحمه الله على طرر كتبه من الفوائد ما يستخرج منه حواشي مستقلة].

حاشية على شرح المكودي لألفية ابن مالك: ولعلها هي المسماة ب”المباحث الفاسية” قال عنها الشيخ ميارة [وله حاشية عجيبة على شرح المكودي لألفية ابن مالك أبدى فيها من الفوائد والأبحاث ما لا يخطر ببال جلها على شيخه الزياتي المذكور].

ووصفه الشيخ سليمان الحوات في كتابه “السر الظاهر” وهو يتكلم عن العلماء الشاهدين لأنكحة الشرفاء القادريين فقال [العلامة المحقق الصالح المؤثر للخلوة أبو الحسن علي بن قاسم البطوئي بتشديد الطاء] (ص481) وجعل وفاته سنة 1038هـ.

أخذ عن كبار علماء عصره أمثال العالم رضوان بن عبد الله وأبو العباس أحمد القدومي والزياتي وأحمد المنجور ويحيى السراج وعبد الواحد الحميدي ويوسف الفاسي وأبو الحسن علي بن عمران ومحمد القصار وغيرهم كثير.

تتلمذ على يديه الكثير منهم:

العلامة محمد بن أحمد ميارة وعليه كانت غالب قراءته بفاس في مسجد قرب داره بزقاق البغل.

العلامة عبد الواحد ابن عاشر قرأ عليه شمائل الترمذي (موسوعة أعلام المغرب 3/1288) سأله مرة العلامة المهدي بن أحمد الفاسي عن الشاة التي يغطسها الجزار في الماء حين الذبح لتحمل الماء لتثقل في الميزان هل يطهر لحمها لأنها ماتت في الماء وبردت أجزاؤها مع النجاسة؟ فقال: “لا تطهر” وخالفه في ذلك ابن عاشر فقال: “تطهر بالعرك الكثير” (موسوعة أعلام المغرب 3/1291).

توفى رحمه الله ليلة الجمعة 28 ربيع الثاني سنة 1039ه وأشار لوفاته الشيخ ميارة بلفظ “كشيط”.

 

التعريف بالكتاب:

منه نسخة بمكتبة الحرم النبوي بالمدينة المنورة من ثلاثة أجزاء قام بنسخها عبد الكريم بن حمودة البرادعي سنة 1185هـ بخط مغربي جيد:

  • الجزء الأول: من 160 ورقة كل ورقة تضم 22 سطرا قياس 21X16 سم، والنسخة مبتورة من أولها وبها آثار أرضة كتبت بعض كلماتها بالحبر الأحمر عليها تعليقات وتصويبات رقم حفظها 13/415 رقم الحاسب 1550 رقم الفيلم 159.
  • الجزء الثاني: من 150 ورقة كل ورقة تضم 22 سطرا قياس 21X16 سم، كتبت بعض كلماتها بالحبر الأحمر عليها تعليقات وبأولها صفحة فهرس، رقم حفظها 14/415 رقم الحاسب 1551 رقم الفيلم 160.
  • الجزء الثالث: من 142 ورقة كل ورقة تضم 22 سطرا قياس 21X16 سم، كتبت بعض كلماتها بالحبر الأحمر عليها تعليقات وبأولها صفحة فهرس، رقم حفظها 15/415 رقم الحاسب 1552 رقم الفيلم 160.

ووقفت عليه بقائمة مخطوطات مركز جمعية الماجد للثقافة والتراث بدبي الجزء الثاني من 153 ورقة رقم 9796 والجزء الثالث من 144 ورقة عدد رقم 9796 DVD15، غير أنهما نسبا لعبد القادر الأنصاري لا لأبي الحسن البطيوي.

وهناك نسختين أيضا للمخطوط بالمكتبة الوطنية بتونس الأولى تحمل رقم 960 والثانية رقم 1054 نسخت الأولى سنة 1307هـ ذكرهما الحبشي في جامع الشروح والحواشي (1/238).

والذي يجب التنبيه عليه هنا وقوع خلط في نسبة كتاب المباحث الفاسية فبعض الباحثين نسبه لعبد القادر الأنصاريالمتوفى سنة (880ه) وفي فهرس مخطوطات مكتبة الحرم المدني أن صاحب المخطوط هو أبو الحسن علي بن قاسم بن علي البطيويي، لكن أثناء مطالعة الصفحة الأولى منالمخطوط تجده منسوبا لعبد القادر بن أبي القاسمالأنصاري.

والراجح عندي والله أعلم أن هذا الخلط سببه خلط مطبعي لا غير وأن المخطوط لأبي الحسن البطيوي وذلك أن الذين أعدوا فهرس مكتبة الحرم النبوي اعتمدوا في النسبة على كتابين:

معجم المؤلفين لعمر كحالة وكتاب جامع الشروح والحواشي للحبشي

فأما معجم المؤلفين فلم يشر فيه صاحبه للمباحث الفاسية في ترجمة الأنصاري ولا في ترجمة البطيوي فليس لذكره في إحالات مكتبة الحرم المدني أي فائدة.

وأما جامع الشروح والحواشي فبدأ بعبد القادر الأنصاري وذكر له حاشية على المكودي وأشار إلى كشف الظنون ثم بعده مباشرة ذكر أبا الحسن البطيوي وذكر له المباحث الفاسية وأشار إلى أنه له نسختين بالمكتبة الوطنية بتونس الأولى برقم 960 والثانية برقم 1054.

وهنا يظهر أن الخطأ وقع فيه الذي أعد الورقة الأولى التعريفية بالمخطوط لمكتبة الحرم فنسب المخطوط للأنصاري بدل أن ينسبه للبطيوي لقرب ذكر الرجلين في الأصل المعتمد.

والذي يعزز أن الكتاب للبطيوي هو كون الأنصاري لم يرحل للمغرب ولا عرف فاسا اللهم إلا إشارة ذكرها صاحب بغية الوعاة أن الأنصاري سمع بمكة من التقى الفاسي(2/104)، أما البطيوي فدخل فاسا ودرس بها ودرّس وله حاشية على المكودي كما سبقت الإشارة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *