كفى من الاستسلام فلا سبيل إلى الخلاص إلا بالمقاومة إبراهيم الطالب

أمام الدمار الكارثي المروع، والتقتيل الهمجي الممنهج، والمجزرة الصهيونية المستمرة منذ بدايات الاحتلال الإنجليزي في حق المسلمين في فلسطين، طالب ويطالب إلى حد الساعة كل المسلمين في أنحاء العالم بانعقاد قمة عربية يجتمع فيها من ولاهم الله أمورهم ليخرجوا بقرارات تكون لها حقائق على الأرض، ويكون من شأنها أن توقف استكبار الصهاينة وظلمهم، وتخفف من بالغ معاناة إخواننا في غزة وفلسطين.

ورغم النكبات والنكسات التي تسبب فيها قادة الدول العربية بسبب خلافاتهم المصلحية، عبر تاريخ الصراع الإسلامي-الصهيوني، فإن الشعوب ما زالت تستحث حكوماتها كي تكون في حجم عظم مسؤولياتها نحو دينها وأمتها.
لكن النخبة الحية في الأمة من مثقفين غيورين وعلماء مخلصين لأمتهم ما زالوا مقتنعين أن لا أمل يرتجى من أغلب القادة والزعماء، راجين منهم أن يستريحوا ويَدَعوا المقاومة وشأنها، متمثلين قول الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان عندما قدمت القيادة السياسية الفلسطينية في الثلاثينيات من القرن الماضي تنازلات في حواراتها مع المحتل الإنجليزي:
أنتم المخلصون للوطنية
أنتم الحاملون عبء القضية
في يدينا بقية من بلاد
فاستريحوا كي لا تطير البقية

كفى من اتفاقيات الاستسلام
يستغرب المرء حقا كيف لم يدرك القادة بعدُ أن الغرب وقادته يحاربنا بالسلام والدعوة إلى الأمن أكثر مما يحاربنا بالسلاح والحرب، فأجهزته ومؤسساته الدبلوماسية تروج للسلام وتستدرج قادة الدول الإسلامية إلى طاولات المفاوضات لتقنعهم بما تشاء من اتفاقيات سلام تحت ضغوط المشاكل الإقليمية وما يعانونه من معضلات التخلف والبطالة والفساد المالي والإداري، وتحت إكراهات المنظمات الدولية التي تراقب أي تراجع في دولنا عما سطره الفكر الغربي لنا، سواء على مستوى السياسة أو الاجتماع.. لضمان استمرار التبعية له، فنراها -أي المنظمات- تضغط بكل قواها كلما كان للغرب مصلحة في الضغط، وتتساهل كلما انصاعت أنظمتنا لأوامره.
إن كل الاتفاقيات التي أبرمها المسلمون مع الكيان الصهيوني بعد أن وضعوا سلاح المقاومة، هي في حقيقتها اتفاقيات استسلام، فمؤتمرات جنيف 1974م، وكامب ديفيد 1978م، ومدريد 1991م وأوسلو 1993م وأنا بوليس 2008م لم ترجع للفلسطينيين أرضا ولم تحفظ لهم روحا ولا عرضا، بل كانت كلها تكفل الحماية للمغتصبين الصهاينة، مما لم يترك للمسلمين خيارا سوى المقاومة والجهاد، وهذا حقهم حتى استنادا إلى القانون الدولي الذي يعطي لأي دولة احتلت أرضها أن تقاوم المحتل.
لكن يتأكد يوما بعد يوم أن القانون الدولي والمنظمات الدولية إنما أقيمت لخدمة الإنسان الغربي، أما الإنسان المسلم فلم يكن يوما جزء من انشغالات المنتظم الدولي رغم تلميع دعاة العلمانية والكونية والسلام الكاذب، فأرض فلسطين يعرفها العالم أرضا مسلمة منذ 15 قرنا، وسكانها عرب مسلمون إلا بقية من النصارى العرب، فكيف أصبحت ملكا لليهود الصهاينة الذين مكن لهم إخوانهم الإنجليز؟ فكيف يصر العلمانيون أبواق الغرب في الدول الإسلامية على إقناعنا بجدوى التحاكم إلى القانون الدولي والمحاكم الدولية والمنظمات الدولية، وهي كلها إنما أنشأها الغزاة (الأوربيون والأمريكيون) حتى يرسوا النظام الدولي الجديد بعد إلغائهم حكم الخلافة الإسلامية العثمانية، وتقسيم بلدان المسلمين بينهم؟ فكيف يمكن أن نروم عدلا لديهم، وهم الذين جمعوا اليهود من أنحاء العالم وسلموا إليهم أرضنا في فلسطين؟
أليس من الحمق والسفه أن يطلب المظلوم العدل من ظالمه؟
إن أولئك العقلانيين الذين أقصوا مقومات الدين والهوية في مجتمعاتهم بدعوى العقلانية يرون أن من الواقعية أن نعترف بقوة العدو ووجوب الخضوع له، وانتهاج السلام حلا استراتيجيا من أجل الحصول على حقوقنا السليبة، ونسائلهم هل بعد كل هذا التقتيل والتدمير يستقيم في عقولهم أن يسمح اليهود للفلسطينيين يوما بإقامة دولة بالمعنى الحقيقي للدولة، دولة لها جيش وسلاح واستقلال؟
إن أول ما يجب محاربته هو هذا الفكر الموبوء المسمى العلمانية الذي كان سببا رئيسا في إسقاط الخلافة الإسلامية، ومحاربة العلماء، وهو الآن يلعب الدور نفسه مع المقاومة يحاربها ويسلمها إلى العدو في مواقف مكشوفة فضحها صمود المجاهدين في غزة، كما لم يستطع الصهاينة إخفاء فرحهم بها.
لم يكن أحد ينتظر من العلمانيين أمثال عباس أو دحلان أو قريع أن يواجهوا الصهاينة، لأن واقعيتهم تفرض عليهم أن لا يخسروا شركاتهم في تل أبيب من أجل دولة ستبقى حلما لن يدركوا، تحقيقه، خصوصا وقد تجاوزهم الزمن ولفظهم عامة الفلسطينيين الذين يدفعون مقابل الصمود والعزة دماء وشهداء وأموالا ومنازل. لذا لم نسمع رغم المجازر والمحرقة أحدا من أهالي غزة يطعن في المقاومة الإسلامية أو يطلب الاستسلام بل سمعنا الأمهات الثكالى يدعون للمجاهدين ويمجدونهم ويرفعون أكف الضراعة إلى الله سبحانه كي ينصرهم.
أليس هذا هو الشعب الذي عاش أكثر من 100 سنة من القتل والتشريد والدمار، فلماذا لم يزل صامدا؟ ولماذا لم يحترم الغرب رغبته في اختيار المقاومة؟
باختصار لأنه مؤمن بدينه ولا يرضى الهوان ولا الدنية، بل كان يعلم أن حماس لن تتخلى عن المقاومة ويعلم مدى قدرة الصهاينة على البطش والتنكيل ومع ذلك اختارها في انتخابات اكتسحت فيها أغلبية الأصوات.
لا سبيل إلى الخلاص إلا بالمقاومة
إن ما يجري في غزة هو عقاب جماعي على اختيار الفلسطينيين للمقاومين الإسلاميين، وما دام الكيان الصهيوني قد عمل بكل قوته منذ تأسيسه على إخضاع المسلمين قائدا قائدا ودولة دولة بإيديولوجية السلام والأمن مقابل القروض والحفاظ على الكراسي، وما دام قد أحرز نتائج مهمة في فرض التطبيع على الدول الإسلامية، فلن يسمح للمقاومة الإسلامية التي ترفع شعار الجهاد أن تستمر في طريق التسلح وتطوير الصواريخ: وهذا عين ما صرحت به وزيرة خارجية الكيان الصهيوني “ليفني” الأحد المنصرم حيث قالت: “علينا أن نفهم أنه في اليوم الذي يلي انتهاء العملية يجب أن نكون واثقين من عجز حماس عن إعادة التسلح”، ما يعني أن مجازر غزة إنما أقيمت من أجل نزع سلاح المقاومة وإبادة أكبر عدد من الفلسطينيين الذين يِمنون بالجهاد كطريق أوحد من أجل تحقيق الأمن للصهاينة والمستوطنين المتطرفين.
وأردفت: “نحن في وسط معركة ضد الإرهاب، وهي ليست مجرد نزاع عابر يمكن أن ينتهي باتفاق، لقد دخلنا في هذه المعركة مصممين على تحقيق الأهداف العسكرية للتأكيد على أننا لن نسمح باستمرار الوضع على ما كان عليه.”
ويبدو أن القادة العرب لم يلبوا إلى حد الساعة نداء قطر إلى عقد قمة عربية لأنهم يعلمون يقينا أنهم عاجزون عن اتخاذ أي قرار، فقد استنفذوا كل الحيل، فآلاف القتلى والجرحى في غزة لم يتركوا لهم مجالا للمراوغة، لهذا قرروا أن لا يجتمعوا حتى يتجنبوا الإحراج خصوصا أن وزيرة الكيان الصهيوني صرحت أن دولتها لن تنصاع لقرار الأمم المتحدة قائلة: “لا يمكن أن أقول أنني مولعة بقرار مجلس الأمن، ويجب أن يدرك وزراء الخارجية العرب الذين انتقلوا للعيش في نيويورك أن القرار لن يغير شيئاً بالنسبة لإسرائيل وهو لا يعني لها شيئاً.” مما لم يترك لهم خيارا سوى الانسحاب من الأمم المتحدة أو على الأقل تعليق عضوية دولهم فيها، ماداموا عاجزين عن الانضمام إلى صف للمقاومة.
لقد جرب المسلمون كل الطرق مع الإنسان الغربي حتى فكره الدخيل امتثلوه، فرضخوا لصناديق الديمقراطية التي تسوي بين أفسق خلق الله وأتقاهم، وتعادل بين الكافر بالله والمؤمن به، ومع ذلك اختار المسلمون الإسلام، حتى صناديق الاقتراع التي يجبر الغرب المسلمين على أن يجعلوها حكما أفرزت الإسلام، ومع ذلك يأبى الغرب وأذنابه من العلمانيين الاعتراف للإسلام بالحُكم ولو جاء عن طريق الديمقراطية.
كل هذا يدلنا أن الديمقراطية التي تقوم المنظمات الدولية الغربية في بلداننا في سبيل ترسيخها وتدعم من أجلها الأحزاب والجمعيات العلمانية بالأموال والأفكار، هي ديمقراطية تستجيب لما تقتضيه شروط الخضوع والتبعية والاستسلام، أما إذا أفرزت آلياتُ الديمقراطية نجاح مَن يرفع لواء المقاومة للذود عن مقومات الهوية والدين، فلا مانع من الانقلاب على هذه الديمقراطية وهذا عين ما وقع في الجزائر وتركيا والسودان وأقطار أخرى، واليوم في فلسطين.
فلا سبيل إذا للمسلمين إلى الخلاص خاصة في فلسطين إلا سبيل المقاومة والممانعة، أما الحوار والاتفاقيات فلا تخدم إلا المحتل لأنه لم يكن ليتنازل عن أرض أنفق فيها الأموال الطائلة والأرواح الكثيرة.
إن الصهاينة معروفون لدى قادة العالم أجمع أنهم مغتصبون محتلون لكن هؤلاء القادة ليس من مصلحتهم ولا مصلحة شعوبهم وأوطانهم أن تزول دولة الكيان الصهيوني، لأن وجودها أهم عنصر يمنع من وحدة المسلمين، فهي مصدر تهديد لهم على مر الزمان، فمن خنع وخضع استسلم وطبَّع، ومن مانع واعترض هدد بالمحكمة الدولية والعقوبات الاقتصادية.
“وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ”
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *