قوله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً}64.
كلمات(صوتك) و(خيلك) و(رجلك) وجملة (وشاركهم) تفهم على غير وجهها.
قال الماوردي: {بصوتك} فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: أنه صوت الغناء واللهو، قاله مجاهد. الثاني: أنه صوت المزمار، قاله الضحاك. الثالث: بدعائك إلى معصية الله تعالى وطاعتك، قاله ابن عباس.
{وأجلب عليهم بخيلك ورجَلِكِ} والجلب هو السوْق بجلبه من السائق، وفي المثل: إذا لم تغلب فأجلب. وقوله {بخيلك ورجلك} أي بكل راكب وماشٍ في معاصي الله تعالى.
{وشاركهم في الأموال والأولاد} أما مشاركتهم في الأموال ففيها أربعة أوجه: أحدها: أنها الأموال التي أصابوها من غير حلها، قاله مجاهد.
الثاني: أنها الأموال التي أنفقوها في معاصي الله تعالى، قاله الحسن.
الثالث: ما كانوا يحرّمونه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، قاله ابن عباس.
الرابع: ما كانوا يذبحون لآلهتهم، قاله الضحاك.
وأما مشاركتهم في الأولاد ففيها أربعة أوجه: أحدها: أنهم أولاد الزنا، قاله مجاهد.
الثاني: أنه قتل الموءودة من أولادهم، قاله ابن عباس.
الثالث: أنه صبغة أولادهم في الكفر حتى هوّدوهم ونصّروهم، قاله قتادة.
والرابع: أنه تسمية أولادهم عبيد آلهتهم كعبد شمس وعبد العزَّى وعبد اللات، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً}(71).
يعتقد البعض أن كلمة (بإمامهم) تعني الإمام الذي يؤمهم في الصلاة.
قال ابن كثير: يخبر تبارك وتعالى عن يوم القيامة: أنه يحاسب كل أمة بإمامهم.
وقد اختلفوا في ذلك، فقال مجاهد وقتادة: أي بنبيهم. وهذا كقوله: {ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون} يونس: 47.
وقال بعض السلف: هذا أكبر شرف لأصحاب الحديث، لأن إمامهم النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن زيد: بكتابهم الذي أنزل على نبيهم، من التشريع.
واختاره ابن جرير، وروي عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أنه قال: بكتبهم. فيحتمل أن يكون أراد هذا، وأن يكون أراد ما رواه العوفي عن ابن عباس في قوله: {يوم ندعو كل أناس بإمامهم} أي: بكتاب أعمالهم، وكذا قال أبو العالية، والحسن، والضحاك.
وهذا القول هو الأرجح، لقوله تعالى: {وكل شيء أحصيناه في إمام مبين} يس:12، وقال تعالى: {ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا} الكهف:49.
وقال تعالى{وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} الجاثية: 28، 29.