التحذير مما يقع في “حج المسكين” من الشركيات ناصر عبد الغفور

لما كان تحقيق العبودية من أعظم الحقوق على الإطلاق كان الشرك من أعظم الظلم لأنه اعتداء وتجاوز لهذا الحق ، قال تعالى: “إن الشرك لظلم عظيم”، وقد حذر جل وعلا من الشرك في كثير من الآيات وضرب الأمثلة على عظم قبحه وشناعته، قال جل شأنه: “وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ”، وقال جلت عظمته: “إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ”، والسنة كذلك مليئة بالأحاديث المرهبة من الشرك، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “..من مات وهو يشرك بالله شيئا دخل النار”ص ج-6551، وقال عليه الصلاة والسلام: “أعظم الذنب أن تجعل لله ندا وهو خلقك”..
ورغم كل ما ورد من النصوص التي تقشعر منها الجلود في بيان عظم جرم الشرك، إلا أن فئة عريضة من المسلمين أبوا إلا اقترافه وإتيانه.
ومن نماذج الشرك التي يعرفها بلدنا المغرب ما يسمى بحج المسكين أو حج المساكين.
ففي الوقت الذي يحج فيه المسلمون إلى بيت الله الحرام لقضاء الركن الخامس من أركان الإسلام، يحج مئات المغاربة إلى ضريح “- سيدي- شاشكال” بنواحي آسفي حيث يقومون بطقوس تشبه تلك التي يقوم بها حجاج بيت الله الحرام، معتقدين أن ذلك يغنيهم عن حج مكة الذي لا يستطيعون إليه سبيلا.

مناسك حج المسكين
بعد وصولهم إلى الضريح يشرع الحجاج المزعومون في تأدية مناسك حجهم من خلال إقدامهم على:
 الطواف، سبعة أشواط، حول الضريح حفاة الأقدام مرددين “لبيك اللهم لبيك”.
 بعد الانتهاء من الطواف يتوجهون زرافات صوب ساحة بالقرب من الضريح حيث يصلون جماعة.
 مباشرة بعد الصلاة، يتوجه “الحجاج” صوب بئر يسمونه “بئر زمزم” فيشربون منها.
 ثم تقدم القرابين للضريح عبارة عن عدد من الأبقار والخرفان تذبح تقربا.
 ثم يأتي “الركن الأعظم” ألا وهو الوقوف بعرفة “المزعومة”، حيث يقصد جميع الحاضرين صخرة كبيرة بالقرب من الضريح تسمى”للا نوارة” يصعدون إليها مشبهين وقوفهم عليها بالوقوف على جبل عرفة.

شركيات ومناهي
إن حج المسكين يزخر بأصناف الشرك والمنهيات، من ذلك:
1- شد الرحال إلى الضريح: ومثل هذا الشد في أصله محرم وصاحبه قد أتى منكرا عظيما، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا” متفق عليه.
2- الطواف بالضريح والصلاة عنده: وهذا من أعظم المنهيات، قال رسول الله عليه وسلم: “لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها” ، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد” .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “قال شيخنا: وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع عن اتخاذ المساجد على القبور هي التي أوقعت كثيرا من الأمم، إما في الشرك الأكبر أو في ما دونه من الشرك، فإن النفوس قد أشركت بتماثيل القوم الصالحين.. فإن الشرك في قبر الرجل الذي يعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بخشبة أو حجر، و لهذا نجد أهل الشرك كثيرا يتضرعون عندها… ومنهم من يسجد لها يرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء ما لا يرجون في المساجد” -إغاثة اللهفان-.
3- المواظبة على زيارة الضريح للقيام بالمناسك المبتدعة سنويا، وهذا من اتخاذه عيدا: وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره عيدا منبها به على غيره، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله عليه وسلم: “لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا..” صحيح الجامع-7226.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: “ووجه الدلالة أن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل قبر على وجه الأرض، وقد نهى عن اتخاذه عيدا، فقبر غيره أولى بالنهي كائنا من كان..”.
4- الاستهانة بمشاعر الله عز وجل: فأصحاب حج المسكين يطوفون بالضريح سبعة أشواط مرددين “لبيك اللهم لبييك”، مشبهينه بالبيت الحرام، و يصعدون إلى الصخرة كأنها جبل عرفة، ويردون بئرا يسمونه بئر زمزم.. أليس هذا عين الاستهزاء والاستهتار بمشاعر الله وحرماته ، يقول تعالى: “ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ”، ويقول جل شأنه: “ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ”.
5- الذبح لغير الله: فحج المسكين لا يتم إلا بتقديم القرابين لـ”سيدي شاشكال”، حيث يضحى بعدد من المواشي تقربا ل”الولي”- عسى أن يكون الحج مبرورا والسعي مشكورا-
والذبح لغير الله من أعظم الشركيات التي ابتلي بها كثير ممن ينتسب إلى هذا الدين ..
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لعن الله من ذبح لغير الله” واللعن -كما هو معلوم- الطرد من رحمة الله تعالى، ويقول جل جلاله: “قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ..”
إن حج المسكين ليس إلا واحدا من عشرات بل مئات المواسم التي يعقد فيها الشرك الصراح برب الأرض والسموات، في بلاد ارتضت الإسلام دينا والمالكية مذهبا.. فما هي أهم الأسباب لانتشار مثل هذه المواسم، وما العلاج؟
هذا ما سنراه إن شاء الله تعالى في مقال لاحق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *