من أهم التحديات التي تواجهنا بها الكونية تحدي الفساد الأخلاقي الذي يكتسح العالم بفعل غياب بعد الأخلاق في الحياة المعاصرة، والقيمة الخلقية أرقى من السلوك التجاري الذي يظهر في تصرفات الكثير، وليس الغاية من ذلك نداء الضمير بقدر ما هو بروتوكولات وبالتعبير الغربي (Ethics)، وهناك فرق بين الخلق الذي هو ألصق بالفطرة ونداء الضمير والتزام التقوى، وبين “الإتيكت” بالمفهوم الغربي الذي يراعي المظهر الشكلي دون الجوهر.
لقد غدت الأخلاق بالمفهوم الغربي ذات بعد نفعي تجاري، فالرجل لا يكذب لأن سمعته تتأثر، فإذا لم تتأثر فليس في الأمر تثريب، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن التحلل من القيم صار موضة، وعلامة على الحضارة الغربية التي هتكت الأستار وعرّت الإنسان، وتجاوزت في إباحيتها كل وصف، وهذا الذي دفع كثيراً من الشباب إلى الاستقالة الاجتماعية من الحياة؛ إما عن طريق الانتحار بطرقه المختلفة، وإما بالانغماس في عالم الرذيلة والمخدرات والفجور، مما أصبح يهدد الأسرة بالانهيار والتفكك، ويقضي على قيم التآلف والرحمة والعطف، وكل القيم الروحية التي تفتح أمام الإنسان أبواب الأمل في الحياة الكريمة، وتخفف عنه آلام حضارة البعد الواحد.
وللأخلاق دورها الريادي في تحقيق سعادة البشرية، وفي صياغة وجهة البنيان الاجتماعي، وتزويده بالمبررات الغيبية اللازمة لحفظ التوازن بين مطالب النفس وتطلعات الروح وزخم الحركية الاجتماعية.
إن كل أمة تستمد أخلاقها من عقيدتها وقيمها، وفساد الأخلاق يجعل الأمة على خطر عظيم، ولكن عندما يصل النخر إلى قيمها؛ فإنها تكون على شفا هاوية..
وقد كانت الحرب على الأمة الإسلامية في هذا المجال طيلة قرن كامل: حرباً أخلاقية، كان الناس يفسدون وينحرفون، ولكنهم في قرارة أنفسهم كانوا يشعرون بوخز الضمير الديني، كانوا يحسون أنهم يتجاوزون خطوطاً حمراء وثوابت عالية، لكن في العقدين الأخيرين حدثت تطورات خطرة؛ فقد تغير سمت الحرب وتغير اسمها، ولم يعد أعداء الأمة يرضون بانحراف الظاهر مع إنكار -ولو يسير- في المجتمع أو القلب، وفرق كبير بين مجتمع منحرف، ومجتمع إباحي، وفي إطار سعيهم إلى إعادة تشكيل المجتمعات الإسلامية، ونقلها من حالة الانحراف إلى حالة الإباحية؛ كانت حرب القيم..
فقد أصبحت القيم في وضع يُرثى له من الاختلال والاضطراب، خاصة مع تصادم الخطابين الإسلامي والعلماني، ويصف بعض المحللين الحالة الراهنة بـ مرحلة “تشويه الوعي”، وهذه الوضعية القيمية المختلة؛ يراد تطويرها للوصول بها إلى مرحلة “تغييب الوعي”، حيث تحل منظومة قيمية علمانية متكاملة محل المنظومة المختلة القائمة.. فهل يفلح كيدهم؟ (انظر مجلة البيان).