لماذا اخترنا الملف؟

من الطبيعي أن يهتم العلمانيون بالدعوة إلى الحرية الفردية ويدافعوا عنها، ويعلوا من قيمتها وشأنها، ويجعلوا أسّ التقدم والنهوض منوطا بها، والمس بأي من أركانها ضربا من ضروب التخلف والرجعية، كيف لا وهي مرجعيتهم العليا التي وضع لبناتها الأولى ساداتهم وفلاسفتهم الغربيون.

هذه الحرّية المزعومة نفذت إلى واقعنا اليوم حين اضطربت الفطرة واختل توازنها، وحين امتدّ الغزو والعدوان الفكري العسكري على حياتنا وديارنا ينفث سموم الحضارة الغربية تحت شعارات مزخرفة مضللة، ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب، شعارات من قبيل “الحرّية” و”الإِنسانية” و”الإخاء” و”المساواة”.
فإذا الحرّية هي إرادة القويّ الظالم المعتدي يفرضها بالإغراء أو بالنار، وإِذا الإنسانية والإخاء شعار يساوي الفقير ويؤاخي المسحوق بالمسحوق، حتى يستطيع المعتدي المستكبر أن ينهب ويترفّه في فجوره وظلمه، وإذا المساواة هي مساواة الرجل بالمرأة لتنزل المرأة رخيصة بين يدي الشهوة، هيّنة راضية بالفجور، خلعت الحياء واللباس والعفاف الذي زيّنها الله به.
وظن المخدوعون أن هذه الحضارة هي التي تقدّم للإنسان حرِّيته وأمنه وحقوقه، وطغى ضجيج الدعاية طويلاً حتى انجرف في الفتنة شباب ونساء وكهول، ومجتمعات، وأقطار شتى.
ومضت قرون على هذه الدعايات المضللة، فإذا هي حروب ممتّدة في الأرض لا تهدأ، يذهب الملايين من بني البشر قرباناً لمصالح العصابات المجرمة في الأرض.
لقد قرر الإسلام المبادئ الخاصة بحقوق الفرد وحريته في أكمل صورة وأوسع نطاق، سواء فيما يتعلق بنفسه ومجتمعه، أو أملاكه ومكاسبه، لكنه مع ذلك لم يترك الحبل على الغارب، ولم يهمل شأن المصالح العامة تلقاء المصالح الفردية.
إذا كانت هذه هي خصائص الحرية في ميزان الإسلام، فإن الحرية في ميزان الفكر المادي أطلقت للفرد حرّيته دون ضوابط، وجرّدته من جوهر قوته وسلامة فطرته، بعد أن خدرته بالشهوات والأهواء. والمادية الشيوعية ودكتاتوريتها خنقت الحرية لا بالتخدير ولكن بالبطش والاستبداد، وخنقت في الإنسان حقيقة قوته وقتلت فطرته. فمن أين تأتي الحرية الصادقة بعد ذلك؟
فكلٌّ يدّعي الحرّية، وكل يصوغها على نمط مصالحه المادية وشهواته المتفلتة فالديمقراطية حين أطلقت الحرية الفردية دون ضوابط، فإنها أَغرقتها في أوحال الحرية الجنسية الملوّثة وأوحال الجريمة والمعصية، لا توقفها مسؤولية في الدنيا ولا رهبة من عذاب الآخرة.
وعندما يطلقون حرية الدين كما يزعمون فإنهم في حقيقة أَمرهم يقتلون الحرية ويدفنونها، ذلك لأنهم خدَّروا الناس بالشهوة والمصالح والجري اللاهث وراء الدنيا، ليكون هذا هو ميزان الحياة ومقياس الحرية أو الظلم، فجرَّدوا الإنسان بذلك من جوهر قوته التي يفكر بها حرّاً طليقا، جرّدوه من سلامة الفطرة التي لوَّثتها المعصية وأَحاطت بها الجريمة وخنقتها الأهواء والشهوات الثائرة. فأَنى للإنسان أَن يفكر حرّاً.
ثم صاغوا له القوانين التي تدفعه إلى الانحراف دفعاً، وهيئوا له من وسائل الإعلام ما يجعل الشهوة ناراً يلتهب بها دمه، ثمَّ حبسوا الدين ومنعوه من التدخل في أمور الناس وتأطير حياتهم، بل صاروا اليوم يعملون جاهدين على الإجهاز على ما تبقى من تشريعات تشم منها رائحة الإسلام، بحجة التوقيع على المواثيق الدولية التي شرعها الغرب وفق مرجعيته المادية الإلحادية. (انظر الحرية في ميزان الإسلام، موسوعة البحوث والمقالات العلمية).
على ضوء ما ذكر يجب أن نعلم أن الحادث الذي شهدته مدينة المحمدية مؤخرا لا يقف عند حد إقدام مجموعة من الشباب على الإفطار علنا في شهر رمضان لاعتراضهم على الفصل 222 من القانون الجنائي، لا أبدا، بل إن الحادث يسجل مرحلة جديدة من مراحل الحرب المستعرة بين مرجعيتين متناقضتين، مرجعية ترتضي الوحي منهجا للحياة، وأخرى تتبنى التشريعات والمبادئ المادية الإلحادية التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
إن العلمانيين بالمغرب يسعون إلى التمكين لمنظومة قيمية أخلاقية دخيلة علينا، مخالفة لديننا وقيمنا وأعرافنا وتقاليدنا، لذا فلا ينبغي أن نحصر قراءتنا للحادث الأخير الذي شهدته مدينة المحمدية في مجموعة من الشباب الطائش ارتأت الإفطار العلني في شهر رمضان، فالأمر أكبر من ذلك بكثير.
ولتوضيح ذلك وتجليته ارتأت جريدة السبيل فتح هذا الملف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *