تحدثنا من قبل عن أفلاطون ومنهجه الفلسفي الذي يعتبر عصر نضوج الفلسفة، واليوم نطلع على بعض آراء أفلاطون الفلسفية في بعض القضايا1.
أولا- الإله عند أفلاطون
لقد قاد أفلاطون تفكيره إلى إدراك الألوهية والاعتراف بوجود إله لهذا الكون مدبر له ومهيمن عليه، وحكى عنه تلامذته أنه كان يقول: إن للعالم محدثًا مبدعًا، أزليًا واجبًا بذاته، عالما بجميع معلوماته على صفة الأسباب الكلية، كان في الأزل ولم يكن في الوجود رسم ولا طلل إلا مثالاعند الباري تعالى.
والاعتقـاد في الألوهية واجـب علـى كـل إنسان، وهذا الاعتقاد ليس طارئًا ولا مكتسبًا، إنه مغروز في طبيعة الـنفس الإنسـانية، فالإنسان طُبِع على التدين، والاعتقاد بوجود إله أمر مركوز في طبيعـة الإنسـان التـي خُلِقت مع فطرته التي فطره الله عليها.
ولذا؛ فإن معرفة الله واجبة، وعبادة الله وتعظيمـه فرض على كل إنسان، وربما يعبر عن وجود الله بالهيولي، وربما يعبر عنه بالعنصر!! قال: (أبـدع البـاري العقـل الأول، وبتوسطه النفس الكلية، وقد انبعث عن العقل انبعاث الصورة في المـرآة، وبتوسـطهما [توسط العقل والنفس] أبدع العنصر، وليس المقصود بهذا العنصر الهيولي التـي هـي موضوع الصور الحية إنما عنصر آخر.
ويثبت أفلاطون وجود الله تعالى بدليلين هما: -1 دليل الحركة -2 دليل النظام.
وهو يستمد هذين الدليلين من ظاهرتي الحركة الجارية في الوجـود والمتعاقبـة على كل موجوداته، وظاهرة النظام البادي في كل جزء من أجزاء الوجود.
أما عن وصف أفلاطون للإله؛ فقد وصف الله بالوجود والوحدة، ثم أضاف إليه من الصفات مـا يجعلـه موجودًا منفردًا عن كل ما سواه، وبما استحق به أن يكون فوق قمـة الموجـودات، وأن يكون مدبِّرها وصانعها.
فمن صفات الإله عند أفلاطون أنه روح عاقل منظم، متصف بالجمال والخير والعدل والكمـال والبساطة، ثابت لا يعتريه تغير، صادق لا يعرض له الكذب، لا يخضع للزمان، يكـون وحده في حاضر مستمر، يتجه إلى العالم بعنايته التي لا تقتصر على كلي دون جزئي أو جزئي دون كلي.
ثانيًا- الطبيعة عند أفلاطون
يفسر أفلاطون الكون على أساس نظريته في المثل وثنائية العالم؛ فالعالم كان في المبدأ مادة مبهمة غير معينة، ولا يعرف عنها غير صلاحيتها لتقبُّل الصور، وأن هـذه المادة تحركت أولا حركة اتفاقية باستمرار حتى اتحدت ذراتها المتشابهة بالشكل وكوَّنت العناصر الأربعة، وبعد أن وصلت تلك المادة إلى هذا النظام عَيَّن الصـانع لكـل منهـا مكانًا .
ولا يقصد أفلاطون بالحركة الاتفاقية ما قصده الطبيعيون من القول بالصدفة والاتفاق، بل قصد أن الصانع المبدع المدبر وضع الروح فوق المادة فأَلّفت الانسجام والنظام الحاصل بين الأشياء، والكمال الموجود بين الكائنات نظمته قوة عاقلة هي التي تسير العالم إلـى غاية، ويبدو من كلام أفلاطون أن العالم مكوَّن محدث، مما جعل أرسطو يعتبره مخالفًا للفلاسفة الأقدمين.
بقي لنا الكلام عن المثل عند أفلاطون، نرجؤه إلى العدد القادم بحول الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- بغض النظر عما في هذه الآراء من انحراف وعدم صحة، وسوف نختم تلك السلسلة بمقال عن حكم الفلسفة وكلام العلماء – كالشهرستاني والغزالي وابن تيمية- عن الفلسفة وعلم المنطق.