أدركت الشعوب الغربية أنها كانت تعيش تحت عبء آلة يهودية اقتصادية وسياسية ثقيلة، وكان التخفيف من هذه الآلة وهيمنتها يقتضي رحيل هؤلاء إلى فلسطين، أو إلى أي بلد آخر يختارونه وطنا.. ولا شك أن الكثيرين يذكرون في هذا الصدد مقولة الرئيس الأمريكي “فرنكلين” في بيانه عن اليهود الذي يقول فيه: “إنهم خفافيش مصاصو دماء، لا يستطيعون التعايش حتى مع أنفسهم، وإن لم يبعدوا عن أمريكا فإن أطفال أمريكا سوف يكونون عمالا في الحقول لإطعامهم”.
أما الرئيس الفرنسي “شارل دوكول” فقد قال: “في فرنسا لوبي قوي موال لإسرائيل، وهو يمارس تأثيره خاصة في أوساط الإعلام”.
أما الرئيس الفرنسي الأسبق “فرنسوا ميتران” فقد كان يرى أن اليهود سواء كانوا فرنسيين أم لا هم في النهاية غرباء”، ونشرت مجلة “لوبوان” في عددها 1489 ملفا بعنوان: “اللوبي اليهودي-إقرار ميتران” وفيه قراءة لكتاب بعنوان: “أيها السيّد، أنت لا تعرف عن أي شيء تتحدث”؛ لصاحبه اليهودي “جورج مارك بن عامو”، ويكشف الكتاب الكثير مما يمكن أن يلمسه المرء من خلال الأحداث من التذمُّر الفرنسي من اليهود.
لقد أدرك الغرب أن إفراغ الاحتقان اليهودي أمر واجب، لذلك أبعد انفجاره عنهم بإرسال اليهود إلينا.
مع نهاية القرن الثالث عشر هجري، بدأت الحركة الصّهْيَونية في أوروبة تدعو إلى ضرورة إيجاد مجتمع يهودي يحكم نفسه، واختارت الحركة الصهيونية أن يكون ذلك المكان هو فلسطين، ونادت بحلِّ المشكلة اليهودية عن طريق دفع يهود أوروبا الشرقية للهجرة إلى فلسطين.
وفي الوقت الذي أخذ فيه عددُ يهود فلسطين يتناقص خلال فترة الحرب العالمية الأولى 1913-1917م، تَبنَّت بريطانية دعمَ المشروع الصّهْيَوني مقابل تمويل اليهود لها حتى تَصمُدَ في الحرب، وقد أصدر وزير الخارجية البريطاني “بلفور” وعده في عام 1916م بتحقيق وطنٍ قوميٍّ لليهود في فلسطين، ووافق مجلسُ الحلفاء في عام 1919م على وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، واعترفت عُصبةُ الأمم بذلك وصادقت على وعد (بلفور).
وقد مكَّن ذلك بريطانيا من استغلال سيادة وجودها لتنفيذ وعدها بتهويد فلسطين، فعيَّنت في منصب المندوب البريطاني في فلسطين أحد القادة اليهود وهو “هربرت صموئيل” وقد اضطلع صموئيل بمهمة إعطاء الصيغة الرسمية للوكالة اليهودية، وأشركها في صياغة القوانين واللوائح والأنظمة الأولى التي يسَّرت الهجرة اليهودية، ومكَّنت اليهود من تملك الأراضي، ومنحتهم امتيازات اقتصادية جعلتهم يسيطرون بالتدريج على اقتصاد البلاد، ويُعرِّضون اقتصاد العرب للخطر حتى يزعزعوا تمسكهم بالأرض، تمهيداً للاستيلاء عليها، ومكَّن المندوب البريطاني أيضاً الوكالة اليهودية من الاشتراك في إدارة البلاد، والقيام بتنظيم اليهود، وتسليحهم، وتدريبهم، وتشكيل العصابات.
وفي عام 1946م رفعت بريطانيا المشكلة التي صنعتها بيدها إلى الأمم المتحدة، وذلك على أساس أن حكومة الانتداب عجزت عن حلِّ مشكلة الشعبين (الأول الذي انتدبتها عصبة الأمم لحكمه، والثاني الذي أوجدته بعد انتدابها)، وأعلنت بريطانيا أنها ستتخلَّى عن انتدابها لفلسطين في غضون ستة أشهر. (انظر بعض تفاصيل هذه المؤامرات التاريخية ضد القدس ابتداءً بالاستعمار البريطاني، وانتهاءً بقيام دولة يهود المحتلة حتى الآن “الموسوعة العربية العالمية” 17/436-440).