العلاقة بين الأمن وتوفير الغذاء
أكد الخالق العزيز على أهمية الطعام واعتبرها من النعم العظيمة من خلال امتنانه على قريش بهذه النعمة، كما ربطها ربطا دقيقا بالأمن من الخوف؛ حيث قال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} (قريش:4).
كما تجلى الخيط الرفيع الرابط بين مستوى الأمن وتوفير الغذاء في قوله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما ترك زوجه وابنه عند البيت العتيق فنادى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (البقرة:126)، وبناء على ذلك تظهر القيمة الأساسية والجدلية للبعد الأمني مع مسالة الغذاء… كما لا يقتصر الأمن على توفير الغذاء، بل يحرص على توفير مستلزمات الحياة، وإلا كيف نفسر الوضع الاجتماعي في العراق التي تترنح بعض فئاتها تحت عتبة الفقر، بل الأدهى والأمر-البلد الذي يضرب به المثل في محو الأمية في عهد صدام- أصبحت الأمية تنخر جسدها…!!!
فالغذاء هو أحد حاجات الإنسان الضرورية التي تتمثل في المأكل والملبس والمسكن، إلا أن الغذاء يعتبر أهمها.. فالإنسان لا يستطيع الاستغناء عنه أو الصبر على الجوع.. ولا تزال أقوام تعيش اليوم في مجاهل إفريقيا تسير عارية أو شبه عارية، لكنها رغم ذلك لا تستطيع الحياة بلا طعام.
فما شهدته مصر في الآونة الأخيرة من إطاحة بالنظام البائد، لدليل قاطع على ما نقول، إذ أن أغلب المصريين يعانون فقرا مدقعا تجلت صورته في إضرابات الخبز، التي نشرتها شاشات التلفاز العالمية.. والأمر نفسه ينطبق على الدول الإفريقية…
3- الأمن الصحي
جاءت الشريعة الإسلامية -كما ذكرنا آنفا- لحفظ الكليات الخمس: الدين والنفس والمال والعرض والعقل، ومن حفظ النفس العناية بصحة الأبدان، لأن البدن أمانة من الله عندنا وهو مطيتنا في رحلة هذه الحياة، وما أُعطي عبد أفضل من نعمة العافية.
ويعد الحفاظ على الصحة واجبا دينيا؛ كما في حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه: (إن لربك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لبدنك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه). كما استوعب علماء الإسلام وفقهاؤه المعنى الصحيح لقيمة الصحة في الإسلام حتى قرر الإمام العز بن عبد السلام في كتابه قواعد الأحكام: “أن صحة الأبدان مقدمة على صحة الأديان: “مثلا شرع رخصة التيمم في الطهارة، بديلاً عن الوضوء والغسل: “ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون” (المائدة: 6). وقال تعالى في التخفيف عن الصائم وترخيصه الفطر له إذا كان مريضاً أو على سفر: “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” (البقرة: 185).
وهذا العنصر المتعلق بالأمن الصحي، كتبت فيه كتابات كثيرة، من خلال الحرص على توفير شروط الصحة من وسائل التطبيب، والعناية بصحة الإنسان لأداء الشعائر التعبدية على أحسن وجه… لكن استوقفني موقف عجيب للخليفة عمر الفاروق رضي الله عنه -تطبيقا لما يسمى في الطب المعاصر بالحجر الصحي- لما أراد رضي الله عنه أن يذهب إلى الشام وقد سمع بظهور الطاعون فيها همَّ بالرجوع، فقال له أبو عبيدة رضي الله عنه: أتفر من قدر الله؟ فقال: نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله. وعندما أخبره بعض الصحابة بقول النبي رضي الله عنه: “إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع وأنتم بأرض فلا تخرجوا منها فرارا منه” (رواه البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنه)، فرح عمر رضي الله عنه فرحا شديدا حيث وافق رأيه الحق ولم يحد عنه طرفة عين، كيف لا وقد جعل الله الحق على لسان عمر وقلبه…
وختاما، فالعالم الإسلامي لازال يعيش خللا كبيرا على مستوى تحقيق التوازن بين هذه العناصر المشكلة لهذا المؤشر النبوي؛ وهذا ليس ضربا من الخيال، فبالرجوع إلى الأرقام الإحصائية نستشف ذلك بجلاء: فمثلا أنفقت دول العالم الإسلامي 72 مليار دولار على التسلح عام 1997م يستخدم معظمها على الصراعات البينية لهذه الدول. في حين تبلغ نسبة التعليم في العالم الإسلامي 63% ومعدل الإنفاق عليه لا يتجاوز 4% من الناتج القومي الإجمالي…
فنسأل الله دوام العافية في الدين والدنيا والآخرة، كما نسأله دوام الشكر علي العافية، كما نسأله سبحانه أن يديم علينا الأمن والأمان إنه ولي ذلك والقادر عليه.