النبوة في بلاد المغرب ذ.طارق حمودي

الخرافة جزء قبيح من تراث كل أمة… وإن كان بعضها تحسبها على الأقل مادة تسلية ونزهة عبر الغريب والعجيب من الأخبار.. حيث الكائنات القوية العجيبة.. والأحداث الرائعة التي يحركها خيال كاتب وهلوسة عقول فارغة! 

وقد نال بلاد المسلمين وتاريخهم شيء من ذلك؛ خصوصا المغرب!
خرافات أنتجت محليا في زمن إسلام سببها الجهل وقلة المبالاة بالتثبت من الأخبار وضعف العقيدة، تولى كبرها كبار على الأقل في نظر غيري!
ومن ذلك حكايتنا هذه..!
بدأت هذه القصة عندي حينما كنت أطالع في كتاب سلوة الأنفاس (3/371-372) للشيخ محمد بن جعفر الكتاني؛ فوقفت على فصل غريب.. طريف.. واستغفر الله!
ذكر فيه الكتاني نقلا عن جواب لابن حريرة في (سلسلة الذهب المنقود) لمحمد بن سعيد المرغتي السوسي صاحب المقنع في التوقيت أسماء ثلاثة من الأنبياء دفنوا في المغرب!
سماهم: (دانيال) ببلاد تكملت؛ و(شناول) ومدفنه ببلاد تمدلت، خارج الجبال المذكورة لناحية الصحراء، و(ولكناس) ومدفنه على رأس جبل بين تزغت ووادي أسافن!
وهذه أول الصدمة ولن يترك الكتاني القارئ يستفيق منها فيسأله؛ فإنه أجابه مبادرا: (وسبب دخول هؤلاء الأنبياء المغرب هو أن بختنصر كان يقتل الأنبياء؛ وفر هؤلاء بأنفسهم وركبوا البحر؛ فلاح بهم الريح لرباط ماسة؛ وخرجوا منها وتوجهوا لناحية القبلة)!
من هنا تبدأ ملامح الخرافة في التجلي في نظري..
ثم قال: (وما يقال من أن المغرب لم يدخله نبي إما أن يقال هذه المقولة غير صحيحة، وعلى صحتها يقال: إن تلك الجبال ليست من حيز المغرب، وإنما هي من حيز الصحراء، وما دون جبل درن هو المسمى بالمغرب.
ثم قال: وبلغني أن لا يستبعد شيء من هذه الأخبار.. بل يجب علينا التسليم في ذلك كله، واعتقاد تعظيم القبور المذكورة مما يعد تعظيما، وبكل ما يليق من الاحترام).
قال عبد العزيز بنعبد الله في كتابه (سوس بوابة الصحراء): (كل ذلك لم يثبت تاريخيا) اهـ.
بكلام الأستاذ بنعبد الله أردت البدء كي لا يقال إنني بدع في هذا!
فانظر كيف تصنع الخرافة.. وتعظم.. ويحتج لإثباتها بالإمكان؛ وتغلف بإرهاب فكري معروف: (يجب علينا التسليم في ذلك كله) ثم يسلم القارئ المسلم لها إلى المرحلة الثانية وهي الأخطر والأبشع، فيقول الكتاني: (..واعتقاد تعظيم القبور المذكورة مما يعد تعظيما، وبكل ما يليق من الاحترام..).
فانظر كيف ترسم مظاهر الشرك على ورقة التوحيد في بلادنا بمداد الخرافة..فتوسخه!
ولست أستغرب أن يصدر مثل هذا الكلام عن محمد بن جعفر الكتاني فإنه وغيره عودوا أتباعهم على التسليم ولو في الاعتقاد في حجر فعل مشركي العرب!
وشبيه هذا ما ذكروه أن حوت يونس لما أمر أن ينبذه بالعراء.. بعراء ماسة بسوس على الشاطئ وهو موضع رباط ماسة المعروف! فيا للخرافة.. فاللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون!!
ومن العجيب في هذا الباب أن تجد نعيم بن حماد في الفتن (1/276) يروي في دخول نبي إلى بلاد البربر حديثين.
فعنده عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقصد أحد الغلمان البربر: (إن قوم هذا أتاهم نبي قبلي فذبحوه وطبخوه فأكلوا لحمه وشربوا مرقه. وعنده أيضا: نساء البربر خير من رجالهم؛ بُعث فيهم نبي فقتلوه؛ فولينه النساء فدفنه).
وإسناداه ضعيفان.. أحدهما فيه موصوف بنكارة حديثه بل متهم بالكذب.
وعند ياقوت الحموي بلا إسناد: (إنهم أمة بعث الله إليهم نبيا فذبحوه وطبخوه وأكلوا لحمه وبعثوا من المرق إلى النساء فلم يتحسوه فقال الله تعالى: لا اتخذت منكم نبيا ولا بعثت فيكم رسولا).
ولم يفلت المغرب من دعاوى النبوة فخبر حاميم الغماري في القرن الرابع الهجري بعد انهيار الدولة الإدريسية؛ وخبر صالح بن طريف المدغري البرغواطي في أوائل الدولة المرابطية ليسا عنا ببعيدين وكذا آله بعده..!
فمن أراد العجب فله أن يفعل مشكورا بلا حرج!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *