شبهات وردود: (4) شبهة القوامة بين الفهم والحقيقة الدكتور يوسف مازي

تأول الذين في قلوبهم مرض قول الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} النساء:34.
فلوَوا أعناق هذه الآية، وقالوا: إن الدين الإسلامي قد سلب المرأة حريتها، وانتقص من كرامتها لمَّا جعل الرجل قواما عليها… وما ذلك كله إلا لتحريض المرأة المسلمة على التمرّد على تعاليم دينها؛ كما كان الحال مع المساواة والشهادة والعدة…بحسب مارأيناه من ذي قبل.
ولرد هذا الزعم نقول:قام بالأمر يقوم به قياما فهو قوام وقائم، وقيام أهل بيته هو الذي يقوم على شأنهم. ويقال استقام الأمر. وقيم المرأة:وليها وزوجها الذي يقوم بأمرها وحمايتها.والقوامة على نوعين:
قوامة عامة: أي قيام الولاة على الرعية.
وقوامة خاصة: وهي قيام الرجل بشؤون أسرته في بيته، وتعني أن يوفر لهم كل أسباب الحياة من مسكن ومطعم وملبس وراحة، فضلا عن الحياة الأبدية لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}.
وأما القوامة في الشرع فهي: قيام الزوج على زوجته بالحماية والرعاية والصيانة والتدبير.ولهذا كانت القوامة: كفالة ورعاية وإنفاقا من حقوق المرأة على الرجل. فهي إكرام للمرأة لتتفرغ بذهن صاف ليس بذهن مكدود إلى مهامها في هذه الحياة.. والقوامة في الإسلام تبنى على التعاون والتآلف والتشاور والتراحم.
وقد بينت الآية الكريمة أسباب هذه القوامة، فكان السبب الأول وهبيا وفيه قال تعالى: {بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ}.
والثاني كسبيا لقوله تعالى: {وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}.
كما يشترط في هذه القوامة أن لا يبطئ عليها حتى تسأله فلو أبطأ عليها لم تكن نفقة بالمعروف قال سبحانه: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.
وأما عن مظاهرها:
فالولاية: وهي النصرة أي الولاية على النفس، وعلى المال…
والطلاق: قال: (إنما الطلاق لمن أخذ بالساق) من حديث عبد الله بن عباس حسنه الألباني في إرواء الغليل رقم2041.
وحماية العرض والغيرة عليه…
وضمان الكسوة والسكنى، قال تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ}.
والطعام والكسوة والدواء وغسل ملابس وحتى أدوات الزينة. فهي خدمة ومسؤولية في نفس الوقت.
المعاشرة بالمعروف، كما قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.
فالقوامة في الإسلام ليست قوامة السطوة والاستبداد والعنف وإنما قوامة الالتزامات والمسؤوليات… لأن السلطة شيء والتسلط شيء آخر. قال الرسول: (ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عوان عندكم) أي أسيرات وجب الإحسان إليهن.
وقال أيضا: (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم) صحيح الجامع. وقال: (لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلقاً، رضي منها آخر) مسلم.
فلابد أن يعلم الطاعنون في قوامة الرجال على النساء أنها ضرورة للحياة الفضلى من الناحيتين الفطرية والفكرية.
أما الفطرية فإن الخصائص النفسية للرجل تؤهّله بشكل أمثل لتحمّل مسؤوليات إدارة شؤون الأسرة والقيام على رعايتها، وفي المقابل نلاحظ أن خصائص المرأة تحبِّب إليها أن تجد لدى الرجل ملجأ وسندًا، وقوة إرادة واستقرارَ عاطفة وحكمة في تصريف الأمور، وسلطانًا ترى في الانضواء تحته أنسها وطمأنينتها وأمنها وراحة بالها.
وهذا هو السر في تحريم الإسلام زواج المسلمة من غير المسلم خوفا عليها وعلى دينها ودين أولادها أن يسلب عاطفة أو قهرا.
ولذلك يلاحظ أثر هذا التكوين الفطري ظاهرًا في كل مجموعة إنسانية، ولو لم تلزِمها به أنظمة أو تعاليم، وربما شذّ عنه نفر قليل اختلّت فيه خصائص الذكورة والأنوثة، وهي حالات شاذّة لا تستحقّ تعديلاً في أصل القاعدة الفطرية .وقد بينت الإحصائيات أن أربعة عشرة مليون طفل أمريكي يعيش مع أمه في مقابل ثلاثة ملايين طفل مع الأب، أي الأم تعيش مع رجل ثاني. فهل يريد أعداء القوامة أن ينقلوا هذا الوضع إلى العائلات والأسر المسلمة حتى يطمئنوا؟!
وأما من الناحية الفكرية: فالقاعدة في علم الاجتماع الإنساني تقضي بأن يكون لكل مجتمع -صغُر أو كبر- قيّم يقوده ويدير شؤونه حمايةً له من الفوضى والتّصادم والصراع الدائم، والأسرة أحد هذه المجتمعات التي تحتاج إلى قيّم تتوافر فيه مؤهّلات القوامَة بشكل أمثل، قال سبحانه:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّـهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّـهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ، لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ}الأنبياء:22-24.
وعليه فلن تخرج القوامة عن مجموعة احتمالات هي:
1) أن يكون الرجل هو القيّم في الأسرة.
2) أن تكون المرأة هي القيّم في الأسرة.
3) أن يكون كلّ من الرجل والمرأة قيّمًا على سبيل الشركة المتساوية.
4) أن يتناوبا القوامة وفقَ قسمةٍ زمنية.
5) أن يتقاسما القوامة.
وسنقف معها كلها:
أما الشركة في القوامة سواء أكانت في كلّ شيء وفي كلّ وقت، أو كانت على سبيل التناوب الزمني، أو كانت على سبيل التقاسم في الاختصاصات، فإنها ستؤدّي حتمًا إلى الفوضى والتنازع ورغبة كلّ فريق بأن يعلو على صاحبه ويستبدّ به، وقد أيّدت تجارب المجتمعات الإنسانية فساد الاشتراك في الرئاسة. قال سبحانه:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّـهُ لَفَسَدَتَا} وقال تعالى:{مَا اتَّخَذَ اللَّـهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـٰهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّـهِ عَمَّا يَصِفُونَ} المؤمنون:91.
أما إسناد القوامة إلى المرأة دون الرجل فهو أمر ينافي ما تقتضيه طبيعة التكوين الفطري لكل منهما كما رأينا قبل. وهو يؤدي حتمًا إلى اختلال ونقص في نظام الحياة الاجتماعية لما فيه من عكس لطبائع الأشياء، وبهذا لم يبق إلا الاحتمال الأول، وهو أن يكون الرجل هو القيم في الأسرة بالضوابط التي بيناها قبل وبخصائصها التي جاء بها الإسلام ومنها :
رجحان العقل على العاطفة، وهو في الرجال أقرب، لأن النساء بمقتضى ما هن مؤهلات له من إيناس للزوج وحنان وأمومة وصبر على تربية الطفولة تترجح لديهن العاطفة على العقل، وإن كان بعض الاستثناءات فذلك أمر نادر لا يصحّ أن تتغيّر من أجله القاعدة العامة والكلية.
كمال المسؤولية في النفقة، كما هو على الرجل لأسرته مما يجعله أكثر تحّفظًا واحترازًا من الاستجابة السريعة للشهوات العابرة والانفعالات الحادة الرعناء.
ومن أجل هذا المقصد أعطى الإسلام للمرأة حقّ اختيار زوجها، لأنها بهذا الاختيار فإنما تختار القيّم عليها، ولها أن تلاحظ فيه المقدرة على القوامة الرشيدة لأن القوامة حق لها لا للرجل…
وفي الختام لا نملك إلا أن نذكر أنفسنا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.المائدة:51.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *