باستقراء أحواله صلى الله عليه وسلم من أجل تحقيق مدارسة حقيقية للقرءان وتلاوة مباركة، يمكننا أن نحدد بعض معالم منهجه عليه الصلاة والسلام في:
– المسلك التربوي المبسط.
– مراعاة التنزيل في كل واقع الناس الجديد؛ وهو تأول القرآن وتثويره.
– الانتساب التعبدي لله حقيقة بالقرآن وعن طريق القرآن {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون} (سورة البقرة: 138).
– تشييد حلق نشر ثقافة القرءان وأخلاق القرآن وأحكام القرآن ببيوت الله.
– عرض متجدد لموائد الروح تزكية على عين الله ووحيه {وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني} (سورة طه: 39) من أجل إعادة ترتيب الوجدان على موازين القرءان ومفاهيمه.
– مبدأ الاستخلاف الرباني في الأرض المنطلق من القرءان إلى العمران.
– بناء النسيج الاجتماعي الإسلامي حضارة إنسانية وعمرانا بشريا.
– تجديد الدين بتجديد مصطلحاته ومفاهيمه وقيمه المندرسة في الأفهام؛ مع إعادة بناء المفاهيم القرآنية والمصطلحات الشرعية في النفس والمجتمع.
وأما عن وسائل تحصيل هذا المنهج وتحقيق معالمه فيمكن أن نقول إن بعض هذه الوسائل التي تعيننا على تحقيق ما ذكر قبل تتلخص في:
– حلق مدارسة القرآن وتلاوته في المساجد.
– جهد إبصار بصائر القرءان والتخلق بهداياته الدعوية.
– مجالس القرءان الأسرية.
– صفوف صلوات الفروض الجماعية في المساجد.
– حصون المساجد وأسوار المحارب.
– أفلاك الأوقات ونفحات الدهر سيرا إلى الله بين مدارج إياك نعبد وإياك نستعين.
بهذا يمكن للأمة أن تتكلم عن أثر القرآن وهداياته وبصائره وكل ما تطرقنا إليه بالمقال السالف، مما يمكن أن نصطلح عليه بالمعاناة الإيمانية والأسرار القرآنية، والتي منها:
– تحريك القلب بالقرآن.
– اشتعال الوجدان بالشوق إلى هدايات القرآن.
– تهيؤ الكيان للاشتعال بوقود آيات القرآن.
– صدق الإقبال على الله.
– شدة الافتقار إلى الله.
– صلاحية مرآة النفس لتعكس أنوار الإيمان وحقائق وأسرار القرآن.
– تثوير القرآن.
وما أروع الأسلوب القرآني والتعبير الرباني في تصوير مقام أثر القرآن على الأنفس في قوله جل في علاه: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (سورة النور: 35).
نعم، إنه المثل للقرءان في قلب العبد عندما يتوهج إيمانه ويتقد وجدانه ليشتعل، وصورة للقلب الذي يعيش حالة تدفق زيت آيات القرءان؛ وهاك التصوير القرآني لذلك:
فالمشكاة: صدر المؤمن.
والمصباح: القرءان الكريم.
وأما الزجاجة: فقلب المؤمن.
وأما عن التفاعل: فكلما اشتعل العبد بوارد القرءان توهج الإيمان بقلبه واشتعل، فتدفق منه النور مثل الكوكب الدري النابض بالحسن والجمال…
فيكون هذا الاشتعال بالقرءان موصلا للأرواح بحبل الله النوراني مباشرة، ويربط مصابيح القلوب بمصدر النور الأكبر، لنتحقق قوله عليه الصلاة والسلام: «أَبشِروا أَبشِروا، أليس تَشهدونَ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأني رسولُ اللهِ؟ قالوا: بلى؛ قال: فإنَّ هذا القرآنَ سببٌ طرفُه بيدِ اللهِ، وطرَفُه بأيدِيكم فتمَسَّكوا به، فإنكم لن تَضِلُّوا ولن تَهلِكوا بعده أبداً».
وروي أيضا عنه عليه الصلاة والسلام: «إنَّ هذا القرآنَ مأدبةُ اللهِ فاقبَلوا مأدُبتَه ما استطعتَم، إنَّ هذا القرآنَ حبلُ اللهِ والنُّورُ المبينُ والشِّفاءُ النَّافعُ، عصمةٌ لمن تمسَّك به ونجاةٌ لمن اتَّبعه، لا يزيغُ فيُسْتَعْتَبُ ولا يَعوَجُّ فيُقوَّمُ، ولا تنقضي عجائبُه ولا يخَلقُ من كثرةِ الرَّدِّ، اتلُوه فإنَّ اللهَ يأجُرُكم على تلاوتِه كلَّ حرفٍ عشرَ حسناتٍ، أما إنِّي لا أقولُ ألم حرفٌ ولكنْ ألفٌ حرفٌ ولامٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-(1) أخرج السيوطي في الإتقان أنه روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن».
-(2) وهو مصطلح كان شيخنا فريد الأنصاري رحمه الله يكثر من ذكره في معرض حديثه عن مشروع مجالس القرآن.
-(3) من حديث أبي شريح العدوي الخزاعي الكعبي صححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم: 713 وإسناده صحيح على شرط مسلم.
-(4) من حديث عبد الله بن مسعود أخرجه المنذري في الترغيب والترهيب الرقم: 2/302، وفيه إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص.