تأويل صلاح الدين بن إبراهيم لاسم الله الرحمن ناصر عبد الغفور

ألم يعلم صلاح الدين بن إبراهيم أن من أعظم مقاصد التنزيل تدبر كلام العلي الجليل كما قال سبحانه: “كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ” -ص29-، يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى: “{لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} أي: هذه الحكمة من إنزاله، ليتدبر الناس آياته، فيستخرجوا علمها ويتأملوا أسرارها وحكمها، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة، تدرك بركته وخيره، وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال، وأن القراءة المشتملة على التدبر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود.

{وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ} أي: أولو العقول الصحيحة، يتذكرون بتدبرهم لها كل علم ومطلوب، فدل هذا على أنه بحسب لب الإنسان وعقله يحصل له التذكر والانتفاع بهذا الكتاب”([1]).

فالله تعالى بين في هذه الآية الكريمة: “أن الحكمة من إنزال هذا القرآن المبارك؛ أن يتدبر الناس آياته، ويتعظوا بما فيها، والتدبر هو التأمل في الألفاظ للوصول إلى معانيها، فإذا لم يكن ذلك، فاتت الحكمة من إنزال القرآن، وصار مجرد ألفاظ لا تأثير لها. ولأنه لا يمكن الاتعاظ بما في القرآن بدون فهم معانيه”([2])،” وفي هذا دليل على وجوب معرفة معاني القرآن”([3]).

كيف يزعم الشخص المذكور أننا لا نعلم مراد الله والله تعالى رغب في تدبر كلامه أيما ترغيب ونعى عمن انصرف عن التفكر والتأمل في كتابه سبحانه، وقد دلت آيات كثيرة سواء بمنطوقها أو بمفهومها على وجوب تدبر القرآن الكريم: قال الله تعالى: “أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا”(النساء:82).

وقال تعالى: “أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ” (المؤمنون:68).

وقال جل وعلا: “كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ” (ص:29).

وقال تبارك ذكره: “أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا”(محمد:24).

2- يقول: “يقولون أن الرحمن كثير الرحمة، لا إنما هذا الرحيم، انظروا إلى مواقع اسم الرحمن في الكتاب تجد الله يخوفنا بالرحمن وتجد الأنبياء يخوفون أقوامهم بالرحمن”اهـ.

وواو الجمع في قوله: “يقولون” تعود على العلماء بل ربما تعود على كل من كان له ذرة فهم لكتاب الله سبحانه، فاسم “الرحمن” دال على رحمة الله الواسعة، بل هو مشتق منها كاسم الرحيم إلا أن الرحمن أوسع دلالة عليها.

وهذه بعض أقوال أهل العلم في تفسير اسم الرحمن:

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى:” {الرحمن الرحيم} اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، ورحمن أشد مبالغة من رحيم، وفي كلام ابن جرير ما يُفْهِم حكاية الاتفاق على هذا، وفي تفسير بعض السلف ما يدل على ذلك، كما تقدم في الأثر، عن عيسى عليه السلام، أنه قال: والرحمن رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم رحيم الآخرة”([4]).

يقول علامة الحجاز السعدي رحمه الله تعالى: “{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء، وعمت كل حي، وكتبها للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله. فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة، ومن عداهم فلهم نصيب منها.

واعلم أن من القواعد المتفق عليها بين سلف الأمة وأئمتها، الإيمان بأسماء الله وصفاته، وأحكام الصفات.

فيؤمنون مثلا بأنه رحمن رحيم، ذو الرحمة التي اتصف بها، المتعلقة بالمرحوم. فالنعم كلها، أثر من آثار رحمته…”([5]).

قال إمام المفسرين أبو جعفر الطبري رحمه الله تعالى: “وأما “الرحمن”، فهو فَعلان، من رَحم، و”الرحيم” فعيل منه. والعرب كثيرًا ما تبني الأسماء من “فَعِل يفْعَل” على “فعلان”، كقولهم من غَضِب: غَضبان، ومن سَكر: سكران، ومن عَطش: عطشان. فكذلك قولهم “رَحمن” من رَحِمَ، لأن “فعِلَ” منه: رَحم يرْحم…

وذلك أنّ المعنى الذي في تسمية الله بالرحمن، دون الذي في تسميته بالرحيم: هو أنه بالتسمية بالرحمن موصوف بعموم الرحمة جميعَ خلقه، وأنه بالتسمية بالرحيم موصوف بخصوص الرحمة بعضَ خلقه… فربُّنا جل ثناؤه رحمنُ جميع خلقه في الدنيا والآخرة([6])، ورحيمُ المؤمنين خاصةً في الدنيا والآخرة.

فأما الذي عمّ جميعَهم به في الدنيا من رحمته فكان رَحمانًا لهم به، فما ذكرنا مع نظائره التي لا سبيل إلى إحصائها لأحد من خلقه، كما قال جل ثناؤه:(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لا تُحْصُوهَا)…”([7]).

———————————————————————-
([1]) تيسير الرحمن:712.
([2]) ابن عثيمين، شرح أصول في التفسير وشرح مقدمة في التفسير، ط1،ص75.
([3]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 15/192.
([4]) تفسير ابن كثير:1/124.
([5]) تيسير الرحمن:39.
([6]) هذا الكلام فيه نظر، فرحمة الله تشمل كل الخلائق فقط في الدنيا، أما في الآخرة فتضل رحمة الله متصلة بأهل الإيمان دون أهل الكفر الذين لا يلحقهم إلا العدل.
([7]) جامع البيان في تأويل آي القرآن:1/126-129.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *