نظرة في أبيات الأحيمر السعدي عبد العزيز قصباجي

 

عــوَى الذِئْبُ فاسْتَأْنَسْتُ بالذِّئْب إِذ عَــوَى

وصَـــــوَّتَ إِنســـــانٌ فكِـــــدْتُ أَطِـــــيرُ

رَأَى الله أَنِّـــــى للأَنِــــــيسِ لَشَــــانِـــىءٌ

وتُبْغِـضُـــــهم لــــي مُقْلَـــــةٌ وضَـــــمِيرُ

فلِلَّيْـــــــلِ إِذْ وارانِــــــىَ اللَّــــيْلُ حُكْــمُهُ

وللشَّـــــمْسِ إِنْ غــــــابَتْ علَّى نـُــــذُورُ

وإِنَّـــى لأَسْــتَحـــــيى لنَفْـسِـــىَ أَنْ أُرَى

أَمُــــرُّ بحَــــبـْلٍ لَيْـــــــسَ فيــــه بَعِيــــرُ

وأَنْ أَسْـــــأَلَ العَبْـــــدَ اللَّئِـــــيمَ بَعِيــــرَهُ

وبُعْــــــرانُ رَبِّى فــــي البِــــــلادِ كَثــِيرُ

.الأحيمر السعدي

.قال ابن قتيبة رحمه الله: “وكان لصا كثير الجنايات، فخلعه قومه، وخاف السلطانَ، فخرج في الفلوات وقفار الأرض. قال: فظننتُ أني قد جزت نخلَ وبارٍ، أو قد قربتُ منها، وذلك لأني كنت أرى في رجع الظباء النوى، وصرت إلى مواضع لم يصل أحد إليها قط قبلي. وكنت أغشي الظباء وغيرها من بهائمِ الوحش فلا تنفر مني، لأنها لم ترى غيري قطُّ وكنت آخذ منها لطعامي ما شئت” اهـ.

.ومن كان لصا فتاكا حريٌّ أن يخشي ويطيرَ خوفا وهلعا من أصوات الناس، فاعل السلطان أو أحدِ الذين اعتدى عليهم في أثره ليسترد مالا أو يأخذ بثأر، فهو دائمُ الخوف والترقب، حينَ يستأنس بالوحوش التي أصواتُها دليل على خلاء الفضاء من الناس.

.وذكرَ الذئب دونَ غيره من الوحوش لوفرته في أرض الجزيرة إذ ذاك، حتى كثُر ذكره في أشعار الشعار الجاهليين والإسلاميين ومن تلاهم في سفرهم، واستئناسهم به وإكرامهم إياه، كما للذئب صفات ومحامدُ كريمة ترفعه عن باقي السباع.

.ثم يبين الأحيمر السعدي من عزمه وإصراره على السطو والسرقة لبعران الناس التي يأبى أن يعترف لهم بامتلاكها، بل يجعلها لله، كأن الذين هي لهم لم تكن لهم إلا بالنهب والسطو، فليس لهم حق امتلاكها، وهو ما يسوغ له سرقتها واستعادتها منهم.

.وأيًّا كان من أمر شاعرنا اللص الفتاك، ومن أمر ذلك التعليل وحسن البيان الذي لا يرخص له السرقة والاعتداء على أموال الناس، فإن له من الجرأة ما أبان به عن قصده، فمرد المال إلى الله تعالى، قال سبحانه وتعالى: {وآتوهم من مال الذي آتاكم} وقال عز وجل: { والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء}.

.وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له” قال: فذكر من أصناف المال حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل. رواه مسلم.

.فمتى يرد السَّرقة والناهبون أموالَ غيرِهم، وأولو الفضل فضلَهم ومالَ الله الذي آتاهموه إلى أصحابِ الحقوق والفقراء والمحتاجين فيكونون فيه سواء ؟!، فيرتفع الحقد والشحناء، وتقل السرقة والسطر وتمحى الجريمة من المجتمع ويسود الحب والوئام والسعادة بين الناس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *