المرحلة الثانية لـ”صفقة القرن” ذاهبة في اتجاه مشروعيْ يوشع وآيلاند بغض النظر عن مساحات أراضي التبادل، حيث يتنازل الفلسطينيون عن مساحة متفق عليها من الضفة (الكتل الاستيطانية) وجزء من الغور، ومقابلها نظيرتها من أراضي سيناء بموازاة حدود غزة وسيناء، وستحصل مصر من “إسرائيل” على مساحة مكافئة من وادي فيران جنوب صحراء النقب.
وقد تدخل السعودية على خط تقديم أرض لتمثل شريكاً، خاصة أن البعض يرى أن جزيرتيْ تيران وصنافير كانتا عربوناً للسعودية في سياق مشروع تبادل الأراضي الضخم.
“إسرائيل” عينها على أرض “يهودا والسامرة” حيث تحتفظ بـ”المدن الاستيطانية” التي وصفها باراك بـ”المساحة الحيوية” -وكثير منها “أراض دينية” وفق الفقه اليهودي- وتتجاوز ما حققته في الجدار العازل، وهذا يسمح بتقليص عدد المستوطنين الواجب إجلاؤهم إلى بضعة آلاف.
“مصر عينها على الإدارة الأميركية الجديدة التي تتفق معها في عدم ترك غزة لحركة حماس، ومن هنا فإنها تنسجم مع إجراءات عباس ومرادها تأليب شعبي ضد حماس، ولكنها ترى أنها تحمل مخاطر فصل القطاع عن الضفة، مع إقرار كافة الأطراف -ومنها “إسرائيل”- بأن حماس راسخة وتملك مقومات دولة”.
“إسرائيل” تعتمد هذه الصفقة وتسعى لتسويقها لدى الفلسطينيين باعتبارها حلاً لأزمة غزة التي تكتظ، ولا فرصة لإقامة ميناء حقيقي فيها، ولكن بالتوسع على الساحل يمكن ذلك مع فرصة وجود حقول غاز، ومطار دولي، وبناء مدينة جديدة لمليون شخص.
كما يمكن بذلك حل مشكلة اللاجئين في لبنان وبعض اللاجئين في سوريا والأردن، هذا عدا عن النمو الاقتصادي غير المسبوق باعتبار غزة الموسعة مركزاً تجارياً دولياً.
ولكن لا تتم الإشارة إلى التنازل الكبير في الضفة التي تمثل عمق المشروع الوطني الفلسطيني، بينما تظل القدس خارج النص. وحتى يسيل اللعاب الفلسطيني تبدأ خطوات تمهيدية بإطلاق سراح عدد من الأسرى، وتجميد الاستيطان، وإطلاق التفاوض المباشر وصولاً إلى عقد مؤتمر سلام الصيف القادم.
وتروج “إسرائيل” رواية “صفقة القرن” لمصر باعتبار أن التنازل عن الأراضي في سيناء سيكون للفلسطينيين وليس لـ”إسرائيل”، وأنه أرض مقابل أرض تسمح لمصر بتواصل جغرافي مع الأردن عبر نفق طوله 10 كلم، يربط البلدين بالخليج ويخضع للسيادة المصرية.
كما أن حركة اقتصادية ضخمة من النفق ستنشأ عبر شبكة حديد وطريق سريع وأنبوب نفط يمتد نحو ميناء غزة الكبرى، مما يحقق عائدا ماليا جمركيا ضخما لمصر، مع إغراء إسرائيلي لمصر بتشجيع المنظومة الدولية على ضخ استثمارات هائلة فيها ومنها تنقية المياه، وستوافق “إسرائيل” على إجراء تغييرات محددة في الملحق العسكري من اتفاقية كامب ديفد.
ومن هنا تكون الرواية المقدمة للشعب المصري هي تنازل عن (1%) من أرض سيناء مع بسط سيادة على (99 %) منها، وسماح لمصر بالحصول على القدرات النووية لأغراض سلمية ولإنتاج الكهرباء، وبذا -وفق الرواية الإسرائيلية- تستعيد مصر مكانتها الدولية، ويكون الطريق ممهداً للسيسي لنيل جائزة نوبل للسلام.
تنفي مصر أي مقترحات توطين وتقول إنها لا تتجاوب معها ولن تخضع للضغوط، ولكن التركيز “الإسرائيلي” المتزايد على حاجة مصر للدعم المالي والإسناد السياسي، وكذا علاقتها الحميمة مع “إسرائيل” في هذه المرحلة، يستدعيان رهان “إسرائيل” على جاهزية مصرية للتعاطي مع “صفقة القرن” وأن تكون عرابها.
الأردن جزء من المشروع باعتباره حلا إقليميا دون أن يتكلف ثمناً مع عوائد ملموسة عبر النفق ومنظومة التواصل مع ميناء غزة الموسعة، وصولاً إلى أوروبا ليربط بين العراق والخليج والبحر المتوسط مع ميزات اقتصادية وإستراتيجية وازنة، وهناك عين أردنية أخرى على تخفيف العبء الديمغرافي الفلسطيني وخاصة الغزي لصالح دولة غزة الموسعة.