هل للمغرب هوية؟ أحمد السالمي

إن محاولة الإجابة عن السؤال الذي يشير له عنوان المقال هل للمغرب هوية؟ يجعلنا أولا نطرح تساؤلات مساعدة للإجابة عنه، ومنها: ما هي الهوية الإسلامية، وما مكوناتها، وما العوامل التي تشوه معالمها؟

فالهوية المغربية الإسلامية يمكن أن نعتبرها مجموعة من السمات والخصائص والسلوكيات تميز الأمة عن غيرها، نتجت عن تطبيق المغاربة لدينهم وشريعتهم في واقعهم المعاش.

وتتكون هذه الهوية من تراكمات تاريخية لمكونات ثابتة تشكل العقل والوجدان الجمعي، مكونة ذاتيته الخاصة التي يتميز بها.

وهذا ما كان عليه المغرب والمغاربة قبيل الغزو الإمبريالي العلماني، حيث كانت الشريعة هي القانون والدستور، والأمراء والعلماء يشكلون وحدة لا تنفك في تسيير الشأن العام، وفقا لأحكام الدين الإسلامي، وهناك في التاريخ وثائق وشواهد كثيرة تقف شاهدة على هذا الوضع الأصيل والمتجذر في الوجدان الوطني المغربي.

كما نجد في الحقبة الاستعمارية أن المقاومة كانت شديدة، والجهاد الذي قاده الفقهاء والعلماء كان للحفاظ على الهوية المغربية من المسخ الذي جاءت به الآلة الحربية العلمانية الفرنسية.

فالهوية المغربية بكل حمولتها كانت السلاح الفعال في مواجهة الاستعمار الفرنسي، وكانت الأرضية الصلبة المشتركة بين معظم القوى السياسية التي كان يقودها العلماء، الذين تم حشرهم في الزاوية من قبل الفصائل العلمانية، وعزلهم بدعاوى باطلة تصب في فلسفة فصل الدين عن الدولة، وفصل العلماء عن الواقع، ومهاجمة اللادينيين الدائمة لعلماء المجلس العلمي الأعلى ومحاولة ترهيبهم وشن حملات ممنهجة ومدروسة ضدهم، حتى لا تصبح عندهم الرغبة والقدرة على الخوض في تفاصيل الحياة اليومية وقضايا الساعة التي تخص المواطنين.

أما بالنسبة لمقومات الهوية فالدين الإسلامي هو شعارها وموردها، فالإيمان هو الموحد للأمة، واللغة العربية هي لغة الإسلام، ليس من منطلق عروبي بل لأن فهم الدين لا يتم إلا بها، ثم التاريخ والجغرافيا التي توحد مكونات الأمة المغربية، بلا نعرات قومية أو إثنيات عرقية ولا أفكار دخيلة، فالتاريخ شاركت فيه كل المكونات المسلمة بمختلف لغاتها وأجناسها وألوانها، وكذا التراث فهو نتاج للأمة المغربية بكل مكوناتها، وكل هذه المقومات التي ذكرنا وغيرها كانت الحصن الحصين للأمة المغربية ضد كيد المستعمر العلماني الفرنسي، وما قضية الظهير البربري والفشل الذريع الذي لحق أساطين ومفكري الإمبريالية في المغرب إلا خير شاهد على مثانة هذه الهوية، وأنها كانت من أهم أسباب المناعة التي اكتسبها المغاربة ضد أي محاولة لتهجين مكوناتهم أو عزل بعضهم عن بعض، أو طمس هويتهم العريقة والقوية.

وكانت مرحلة ما بعد الاستقلال، أي مرحلة ما تم الاتفاق عليه بين فرنسا والنخبة المستلبة في اتفاقات إيكس ليبان، والتي شهدت خلافا عميقا حول الهوية، ومهاجمة شرسة من قبل الطابور الخامس، على كل متمسك بالهوية من العلماء والوطنيين، الذين كانت عندهم رغبة قوية في الحفاظ عليها، وتجديدها، ومحو المظاهر الوافدة عليها، والتخلص من مخلفات الاحتلال الفرنسي العلماني، فكانت سنوات الاستقلال الأولى في المغرب والاتجاه الجامح للتخلص من الهوية الأصيلة للمغاربة، واعتماد القانون الفرنسي بدل الشريعة الإسلامية، لأن السطوة العلمانية كانت قوية، حافظت على تركة فرنسا اللادينية، وهمشت الهوية الإسلامية، وحاولت بناء هوية عديمة الصلة بالعمق الهوياتي والحضاري للمغرب والمغاربة، وما كانت الصحوة الإسلامية إلا انتفاضة شعبية نابعة من العقل الجمعي الهوياتي للمغاربة للوقوف في وجه المسخ الذي حاولت الطغمة المستلبة فرضه على الأمة المغربية.

فعلى العلماء جعل أحوال الأمة واهتماماتها وكل مستجداتها من الأولويات، وهنا يبرز دور الفتوى في الدين والتي تعد من الثوابت الشرعية، وذات علاقة متينة، بالواقع، وبالخصوص في العصر الحديث، الذي يعتبر عصر المتغيرات المتسارعة، فغياب صوت العالم يجعل الأمة في حيرة من أمرها، وتواري المؤسسات الرسمية يكرس التيه في عالم أصبحت العولمة هي سمته البارزة.

فالمغرب له هويته التي حافظ عليها لقرون، ولم تفلح فرنسا في زعزعتها حتى بقوة الحديد والنار، لكن المستلبين من النخبة العلمانية، نجحوا إلى حد ما في إضعاف هذه الهوية، التي ما تزال تقاوم وتحاول تجديد شبابها الذي أنهكته العمانية ولم تجهز عليه.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *