حلت الذكرى الأربعون لتأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي، وقد بلغ عدد المسلمين مليارا و570 مليون، حسب دراسة حديثة أجراها منتدى بحوث الديانة والحياة العامة (بيو فورم)، وهو منتدى دولي معنى بالديانات والسكان يتخذ من أمريكا مقرا له.
تأسست منظمة المؤتمر الإسلامي يوم 12 رجب 1389هـ الموافق 25 شتنبر 1969، وعقد أول اجتماع بين زعماء العالم الإسلامي، بُعَيد حريق الأقصى في 29/08/1969 حيث طرح وقتها مبادئ الدفاع عن شرف وكرامة المسلمين ومقدساتهم؛ وأولها القدس.
وقد اختيرت جدة مقرا مؤقتا للمنظمة، بانتظار تحرير القدس، حيث اتفقوا أن تكون المقر الدائم.
أجل؛ مرت أربعون سنة على وضع هذا الهدف، ويبدو أن تحققه يزداد بعدا عن الواقع، وهذا يضطرنا إلى طرح عدد من التساؤلات الملحة:
كيف عجزت منظمة مكونة من 57 دولة، وهي عضو دائم في هيئة الأمم المتحدة، أن تحقق هدفا مقدسا طيلة أربعين سنة؟
ألا تتمتع هذه الدول بكثافة سكانية هائلة، يحسب لها الحساب في كل ميدان ومجال؟
ألا تتوفر على طاقات بشرية وموارد طبيعية جبارة؟
ألم تكن الأربعين سنة كافية لتحقيق تنمية شاملة، وتطوير كامل في كافة القطاعات الحيوية؟؟
بلى، ولكن معاناتنا -مع هذا كله- لن ترتفع بسبب واقع بئيس يحكم بالفشل على كل جهود يمكن أن تبذل:
واقع التنازع والفرقة.
وواقع الخيانة، المتمثل في عملاء من جلدتنا، يتكلمون بألسنتنا، باعوا ضميرهم وأمتهم.
وواقع الإغراق في تطلب المادة والشهوات وكراهية ذكر الآخرة.
وواقع نبذ الدين ومحاربة التدين بالفكر (العلمانية)، وبالسلوك المنحط (اتباع الشهوات).
هذا الواقع جعل مليارا و570 مليون مسلم والمنظمة التي تمثلهم عديمة أو ضعيفة الوزن كغثاء السيل، لا تحقق أسمى وأجل أهدافها، ولا تستطيع أن تجتمع على وحدة اقتصادية أو سياسية أو على الأقل استراتيجية تؤسس لبناء مشرف، يعتز به المسلمون في عمران العالم القائم على التقنية (technologie) وتقوية الاقتصاد وعقد تكتلات قوية.
وهو واقع تنبأ به الوحي الذي شرَّف الخالق به هذه الأمة:
{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}[الأنفال/46]
“إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم”. [رواه أبو داود وصححه الألباني]
“يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تدعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا و كراهية الموت”. [رواه أبو داود وصححه الألباني]
أجل؛ إنها الغثائية، التي أضحت وصفا دقيقا لحال الأمة:
والغثاء هو ما يحمله السيل من زبد ووسخ، ومن صفاته أنه يسير مع السيل أينما سار، وهكذا الأمة تجري مع تيار هيئة الأمم كيفما سارت، فقراراتها مقدسة وقناعاتها فوق كل نقاش.
ومن صفات الغثاء أنه زبد لا ينفع الناس، وهكذا المسلمون اليوم يستهلكون ولا ينتجون، حتى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أنيطت به خيريتهم صار شبه معطل.
والغثاء الذي يحمله السيل عبارة عن خليط من قاذورات الأرض وأوساخها، وهكذا كثير من الأفكار التي تقرر وتدرس للمسلمين عبارة عن أمشاج من زبالات الفلسفات والتصورات.
والغثاء الذي يحمله السيل لا يدري مصيره ومنتهاه، وهكذا الأمة جاهلة بمصيرها في قضاياها الكبرى ..
وهذا كله لم يبق معه وزن للأمة عند سائر الأمم، فهي خفيفة توجه كيف شاء لها الناس، ولا ترد يد لامس.
والعجيب أن السيد أوغلو؛ الأمين العام الحالي للمنظمة يفخر بمناسبة الذكرى الأربعين بإنجازات من قبيل: اعتبار خلاف ثمانية مذاهب، بعد أن كان الاجتهاد في ضوء المذاهب الأربعة فقط!
وكأن الأمة تعاني من الوحدة والاجتماع وتحتاج إلى مزيد من الفرقة والاختلاف!!
إن القضايا التي ينبغي أن تعالجها المنظمة غير هذه تماما؛ من ذلك:
– التمكين للعلماء الربانيين، وإحلالهم في مكان القيادة والقدوة للأمة، وفك الأغلال المعيقة لهم عن أداء واجبهم.
ونحن نعلم أن للمنظمة مجمعا فقهيا يضم علماء أجلاء، لهم دراسات وبحوث في المواضيع الاقتصادية والسياسية والصحية والاجتماعية ..، فلماذا لا يتم وضع آلية تنفيذية لاعتماد نتائج تلك البحوث، وتبنيها في المنظومة القانونية للدول الإسلامية؟
– رد الاعتبار للشريعة الإسلامية، ومواجهة المد العلماني الذي يحرم الشعوب من شريعتهم التي تضمن حقوقهم وتؤطر سلوكهم وتضمن قوتهم وعزهم.
وأضرب مثالا واحدا؛ وهو غياب المؤسسات الرسمية للسهر على توظيف شعيرة الزكاة في مشاريع التنمية، وقد تتابعت الدلالات الشرعية ونتائج الدراسات على أن هذا التقصير يحرم الأمة من رافد كبير من روافد التنمية.
– وضع استراتيجية فعالة لمنع العدوان على الدول الإسلامية، ومواجهة أي تدخل في شؤونها المتنوعة، سيما التدخل العسكري.
ولقد كانت 40 سنة كافية لتحقيق ذلك، ولو فعلنا لما حل بالشيشان والبوسنة والصومال وأفغانستان والعراق وغيرها ما حل من دمار بشري وعمراني يفوق الوصف، ويعلم الله على من يأتي الدور بعد ذلك.
– الأمة الإسلامية في حاجة ماسة إلى تكتلات اقتصادية قوية وحرة لضمان الرخاء والازدهار للشعوب، ويمكن أن تكون طريقا إلى نوع من الوحدة ولو نسبي.
– لقد أمر الله المسلمين بالاجتماع على توحيده وطاعته واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم، وما كان الله ليأمر بمستحيل، وهذا يدلنا على أن هذا الاجتماع ممكن، ولكن المطلوب هو إرادة صادقة، وسعي حثيث ينبني على خطط واستراتيجيات تتأسس على قواعد الشرع الحنيف؛ فيتم الاتفاق على اتباع القرآن والسنة عملا بالتوجيه النبوي:
“إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي” [رواه الحاكم وصححه]
ويتم اعتماد القواعد الشرعية التي اتفق عليها كبار علماء الأمة (في مقدمتهم: السلف الصالح والأئمة الأربعة)، لصيانة دلالات النص من التأويل الخاطئ، وهذا يضمن اتفاقا في العقيدة والأصول والقواعد العامة للاستنباط، ويبقى الاختلاف فيما دون ذلك غير ذي أثر سلبي، بل هو رحمة وسَعة.
إن مشكلتنا هي غياب الإرادة أولا وقبل كل شيء، وإلا فكيف نفسر عجزنا عن التوحد في الصيام، مع سهولة ذلك علميا وتقنيا؟!
نعجز عن التوحد في الصيام وهو عبادة متفق عليها بين المسلمين، في الوقت الذي حقق الغرب أنواعا من الوحدة في قضايا عميقة الخلاف؛ اقتصادية وأمنية وغيرها.
لقد قال الدكتور مهاتير محمد رئيس ماليزيا السابق، في تصريح بمناسبة الذكرى الأربعين للمنظمة: “إننا أقوى من (إسرائيل)، ولكنهم هزمونا لأنهم يحاربوننا بالوكلاء”.
قلت: والوكلاء هم الذين وصفهم الله بحبل من الناس، وهذا يؤكد أننا لن نهزمهم إلا إذا تمسكنا بحبل أقوى منه؛ وهو حبل من الله، وهذه بداية الطريق نحو أمة إسلامية مجيدة …