بداية يجب أن نقرر هنا حقيقة أصبحت واضحة، وهي أنه رغم مرور كل هذه الفترة، ورغم اعتقال المئات وربما الآلاف من المتهمين بالانتماء إلى تنظيم القاعدة، ومثلهم من مقاتلي طالبان، رغم احتلال أفغانستان بالقوات الأمريكية والبحث في كل شبر فيها عن دليل أو شبهة دليل، رغم الضغوط والتعذيب الذي تعرض له الأسرى والمسجونون في سجون أمريكا، فإن دليلاً مادياً وحقيقياً ومحترماً لم تحصل عليه أمريكا حتى الآن يصلح لأن يكون سببا لكل هذا التخريب الذي أحدثته أمريكا في العالم. وهذا يعني أن كل ما فعلته أمريكا بالعالم وبأفغانستان وبالعرب والمسلمين بذريعة مسئولية تنظيم القاعدة عن حادث 11 شتنبر كان نوعاً من الظلم والبلطجة وليس انتصاراً للعدالة أو غيرها، وكل ما قاله بوش الصغير وغيره عن مناهضة الإرهاب لم يكن إلا ذريعة لتنفيذ مخطط أمريكي مسبق للهيمنة على العالم.
حادث 11 شتنبر، كان نقطة فارقة في التاريخ، وقد حدثت بالفعل تغييرات نوعية وكمية، استراتيجية وكمية بعد هذا الحادث، واختلف العالم فعلاً بعد الحادث عما قبله، وأياً كان الأمر، سواء كان خطة ومؤامرة مسبقة، أو كان الحادث مجرد ذريعة لتنفيذ مخططات سبق وضعها، أو كان ما حدث بعده نوعاً من رد الفعل الأمريكي الأحمق له..
فقد تغير العالم، وعلينا أن نعترف بذلك وندركه ونتعامل معه. بعد حادث 11 شتنبر، أصبحنا أمام غطرسة القوة، بلا مساحيق ولا أقنعة، فالولايات المتحدة الأمريكية، قالت على لسان رئيسها السابق إما أن تكون معنا أو تكون ضدنا، ليس هناك طريق ثالث، وهي تقرر معاقبة هذا أو ذاك وشن الحرب وقتل الآلاف، ومئات الآلاف أو حتى الملايين بدون الحصول على تفويض دولي، ولا يهمها هنا حقوق إنسان أو شرعية دولية، أو حتى الحصول على تأييد الأصدقاء، وهي تمارس العدوان بلا قيود، ومن لا يعجبه الأمر فليشرب من البحر، وهي تنشر قواتها في كل مكان، تحتل أفغانستان والعراق وتقيم حكومات تابعة وعميلة، وتنشر قواتها في طاجيكستان وأوزبكستان والفلبين، وفي البحار وعلى الأرض، أي عودة إلى الاستعمار القديم وعسكرة العولمة.
صحيح أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تحقق كل أهدافها في أفغانستان ولم تستطع حتى الآن القبض على زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن أو الإمساك بالملا عمر، ومازالت المقاومة الأفغانية مستمرة، تنزل ضرباتها بالقوات الأمريكية والبريطانية داخل أفغانستان، ومن المرشح أن تستمر تلك المقاومة وتزداد مع الأيام، ولا تستطيع القوات الأمريكية حتى الآن السيطرة مع حلفائها في الداخل والخارج إلا على المدن فقط، بل ربما العاصمة كابول وحدها، وحتى داخل العاصمة استطاعت المقاومة إنزال ضرباتها، وهذا يذكرنا بوضع القوات السوفيتية إبان الغزو السوفيتي لأفغانستان!
وكذلك فإن العدوان على العراق أصبح مستنقعاً آخر للقوات الأمريكية، وربما تكون غطرسة القوة طريقاً لنهاية الولايات المتحدة الأمريكية ولكن أياً كان الأمر، فإن كثيرا من قادة الولايات المتحدة لازالوا يمارسون الحماقة والغطرسة، ويعكسون عنصرية جديدة، فأمريكا فوق الجميع -على غرار الشعار النازي : ألمانيا فوق الجميع- ومن ليس معنا فهو علينا، والسلام في العالم يجب أن يكون سلاماً أمريكا.
وهكذا فنحن بعد حادث 11 شتنبر أصبحنا الضحية رقم 1 كعرب ومسلمين فالعدوان والموت والدمار من نصيبنا في أفغانستان وفلسطين والعراق ولبنان والعرب والمسلمون داخل أمريكا ذاتها يتعرضون للاضطهاد والاعتقال والتحقيقات، وإهدار حقوقهم القانونية والسياسية حتى لو كانوا حاصلين على الجنسية الأمريكية ما داموا من أصل عربي أو إسلامي، وهكذا أصبح العرب والمسلمون هم العرق المستهدف للعنصرية الأمريكية بل والأوروبية بدعوى محاربة الإرهاب، والإسلام ذاته أصبح متهماً، والتعليم الديني كذلك، وتطالب الولايات المتحدة الأمريكية بتغيير مناهج التعليم الديني في باكستان ومصر وغيرها، وقد تمت الاستجابة لها في بعض البلدان وتم إغلاق مدارس أو تغيير مناهج (اليمن؛ باكستان.. مثلاً) ويتم تقديم النموذج المعيشي والاجتماعي الأمريكي كدين جديد يجب على شعوب العالم اعتناقه، وإلا فمن يرفضه فهو إرهابي أو متخلف أو رجعي يستحق العقوبة!!
هذا كله مع دعاوى عنصرية حاقدة جديدة قد طالت مقدسات المسلمين، فظهرت دعوات التعدي السافر على المصحف الكريم.. ما ينذر بنهاية قريبة لكل قوى الشر والتجبر.