ديوان خطب الجمعة من إنشاء: الفقيه الأديب العلامة محمد بوخبزة الحسني  حجاب المرأة المسلمة  إعداد: يونس السباح الطنجي

الرقم المسلسل: 4

 الحمد لله الحكيم العليم، الرؤوف الرحيم، قرن السَّعد والنَّجاة والفوز بامتثال أمره، وجعل الشقاء والخُسران والهلاك في مخالفة شرعه وعصيانه، نشهد أنه الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ونشهد أن سيّدنا محمَّداً عبده ورسوله، شهادة نعتصم بها من نوازع الشيطان وشروره، ونتحصن بمدلولها من شبهات الشرك وقبُح خطوره، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، من يطع الله ورسوله نال من خير الدارين ما نوى… إلخ

أما بعد: فإن الشريعة الإسلامية السّماوية، قررت فيما قررت من نُظم الحياة وتقاليد المجتمع، أن يكون للمرأة المسلمة لباس طيب طاهر، يجمع واجبات الحشمة، ويطرح شارات الوقاحة، وعلامات التّمرد، وكان هذا التّشريع الإسلامي الفريد، معقلاً اعتصم به الحياءُ والطُّهر زمانا طويلا، ولاذت بحماه العفة والصيانة دهرا مديداً، إلى أن انهزمت الشريعة المغلوبة على أمرها أمام جيوش التّمرد الطاغية، التي تداعت عليها من الشرق والغرب، ومن الداخل والخارج.

فكانت النتائج أن ارتفعت الأصوات، وعلا الصياح، وظهرت الشكوى في كلّ مكان من هذا الويل الجارف، والطاعون الشامل، الذي قضى على المروءة والحياء، والتصون والعفاف، وأنسى المرأة واجبها تجاه بيتها، وأولادها وزوجها، وأخذ بيدها إلى الشوارع، وأماط الخمار عن محاسنها، ونادى على سلعتها، فتهافت الفجّار ولصوص الأعراض عليها، ينتهكون حرمتها، ويدنّسون نقاءها، ويلطخون بالعار طُهرها، أغرَوها بالخروج على الفضيلة وقوانينها، والتقاليد الإسلامية وآدابها، ولقّنوها أنّ ذلك تأخّر ورجعية وانحطاط، وأنها بنت القرن [الواحد] والعشرين، لا يجمل بها أن تبقى قعيدة بيتها، وقرينة بعلها، بل يجب عليها أن تمارس هذه الحرية المظلومة بمفهومها المقلوب، فتعرضَ عن البيت إلى السينما، وعن الاشتغال بتدبير المنزل إلى التسكع في الأزقة والشوارع، وعن تربية أولادها والقيام بشؤونهم إلى التّردد إلى مثيلاتها، ممن لا خلاق لهن، فتقضي غالب أوقاتها فيما لا يفيد، طارحةً للمسؤولية، متجاهلة لواجبات الزوجية، والخطر يتزايد، والرذيلة تتفشى، (وقد خلت من قبلهن المثلات) فلم ينزجرن، وظهرت بوادر الانتقام فلم يُلقين بالاً أو يرفعن رأساً.

أيها المسلم: إن علماء المسلمين سجلوا استناداً إلى آيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم أن لباس المرأة المسلمة يجب أن تتوفر فيه ثمانية شروط، ليكون لباسا إسلامياً، وإذا اختل شرط من هذه الشروط وقعت المرأة لا محالة في المحذور.

الشرط الأول: أن يستوعب الثوب ويشتمل على جميع بدن المرأة إلاّ ما استثني، لقوله تعالى: (وقل للمومنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن … لعلكم تفلحون) وقوله تعالى: (يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المومنين… غفورا رحيما) فقد دلّ القرآن على وجوب ستر الزينة كلّها، وعدم إظهار شيء منها، إلاّ مالا يمكن إخفاؤه بحكم الضّرورة، كالحركة فيما لا بد منه، وإصلاح شأن ونحوه، والجلباب هو الملاءة التي تلتحف بها المرأة فوق ثيابها، وهو رداء ساتر من [الرأس] إلى القدم، وفي صحيح البخاري عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفاز) وهذا يدل على أن اللّثام والقفازين كانا معروفين في النساء وقتئذ، وفي مسند أحمد بسند حسن عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان الرُّكبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرِمات، فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزنا كشفناه).

الشرط الثاني: أن لا يكون الثوب زينة في نفسه؛ لأن الأمر بالجلباب والرداء لإخفاء الزينة، فلا يعقل أن يكون الجلباب نفسه زينة، والله تعالى يقول: (ولا يبدين زينتهن) فإنه بعمومه يشمل الثياب الظّاهرة إذا كانت مزينة تستلفت أنظار الرجال إليها، ولُبس الثّياب المزينة اللاّفتة للأنظار هو التبرج الذي نهى الله سبحانه عنه بقوله: (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)، وفي مسند أحمد والأدب المفرد للبخاري بسند صحيح عن فضالة بن عبيد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا تسال عنهم: رجل فارق الجماعة وعَصَى إمامَه ومات عاصيا، وأمة أو عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤنة الدنيا فتبرجت بعده، فلا تسأل عنهم).

الشرط الثالث: أن يكون الثوب صفيقا كثيفا لا يشفّ ولا يظهر ما تحته؛ لأنّه إذا كان خفيفا شفّافا لم يحصل به واجب السّتر، بل قد يزيد المرأة فتنة، وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في المعجم الصغير للطبراني بسند حسن عن ابن عمر: (سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت، العنوهن فإنهن ملعونات) قال ابن عبد البر: (أراد صلى الله عليه وسلم النساء اللواتي يلبسن من الثّياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يسترهن، كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة). وفي طبقات ابن سعد عن أم علقمة قالت: (رأيت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر دخلت على عائشة وعليها خمار رقيق يشف عن جبينها، فشقته عائشة عليها وقالت: أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور؟، ثم دعت بخمار فكستها). وقد عد ابن حجر في الزواجر من كبائر الذّنوب لُبسَ المرأة ثوباً رقيقاً يصف بشرتها.

الشرط الرابع: أن يكون الثوب فضفاضاً غير ضيّق يصفُ جسم المرأة؛ لأنَّه وإن كان صفيقاً ضيّقاً؛ فإنه يصف جسمها ويصوره للرجال، خصوصاً الثديين والورِكين للمرأة الممتلئة، وفي ذلك إثارة للشهوة ودعوة إلى الفساد وتحريض عليه، لذلك وجب أن يكون الثّوب واسعاً. قال أسامة بن زيد: (كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة، أهداها له دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، فقال مالك: لم تلبس القبطية؟ قلت: كسوتها امرأتي، فقال: مرها فلتجعل تحتها غلالة؛ فإني أخاف أن تصف حجم عظامها) رواه أحمد بسند حسن. فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأمر للوجوب أن تجعل المرأة تحت القبطية غلالة تمنع وصف بدنها.

الشرط الخامس: أن لا يكون الثَّوب مبخَّراً معطّراً، للأحاديث الكثيرة النَّاهية عن تطيُّب المرأة إذا خرجت من بيتها، فقد أخرج أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية). وعن أبي هريرة أنّ امرأة مرّت به يعصف ريحها، فقال: ياأمة الجبار، المسجد تريدين؟ قالت: نعم، قال: وله تطيبت؟ قالت: نعم، قال: فارجعي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من امرأة تخرج إلى المسجد تعصف ريحها فيقبل الله منها صلاة حتى ترجع إلى بيتها فتغتسل). هذا في المرأة المومنة التي تريد المسجد للعبادة، فكيف بالمرأة التي تتعطر للشوارع والسينما والمصيف، وقد ذكر ابن حجر في الزواجر أن خروج المرأة من بيتها متعطرة متزينة من الكبائر، ولو أذن لها زوجها.

الشرط السادس: أن لا يشبه لباسها لباس الرجل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الرجل لا يلبس لبسة المرأة، والمرأة لا تلبس لبسة الرجل) رواه أبو داود عن أبي هريرة.

 وعن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس منّا من تشبّه بالرجال من النّساء، ولا من تشبه بالنساء من الرجال). رواه أحمد.

 وفي صحيح البخاري: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال). وقد قيل لعائشة رضي الله عنها: (إنّ المرأة تلبس النّعل -يعني الخاص بالرجال- فقالت: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلة من النساء).

الشرط السابع: أن لا يشبه لباس الكافرات؛ لما تقرر في الشريعة أنه لا يجوز للمسلمين رجالاً ونساءً أن يتشبهوا بالكفار، سواء في عباداتهم، أو أعيادهم، أو أزيائهم الخاصة بهم، قال تعالى: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون). وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إنَّ مخالفة الكفار من أهمّ مقاصد البعثة المحمدية). وتتبّع رحمه الله الآيات والأحاديث الآمرة بمخالفة الكفّار في مختلف الأبواب والموضوعات، فكان من تتبعه كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أهل الجحيم) الذي لا يشكّ من قرأه أن تعمّد الاقتداء بالكفار والتّشبه بهم مناف للإيمان بالله ودينه الحق. قال عبد الله بن عمرو بن العاص: (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبين معصفرين فقال: إن هذه من ثياب الكفّار فلا تلبسها).

 وعن الشديد بن سويد قال: (مرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس هكذا، وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري، واتكأت على إلية يدي، فقال: أتقعد قِعدة المغضوب عليهم؟).

الشرط الثامن: أن لا يكون لباسها لباسَ شُهرة، أعني بها ثياباً يُقصد بها الاشتهار بين النّاس، سواء كان نفيساً يلبس تفاخراً، أو خسيساً رديئاً يلبس إظهاراً للفقر أو الزّهد.

 ففي سنن أبي داود وابن ماجهْ عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلّة يوم القيامة، ثم ألهب فيه ناراً).

هذه الشروط الثمانية، وهي استيعاب جميع البدن، إلاّ ما استثني، وأن لا يكون زينة في نفسه، وأن يكون صفيقاً لا يشفّ، وأن يكون فضفاضاً غير ضيّق يصف شيئاً من جسمها، وأن لا يكون مطيّباً معطراً، وأن لا يشبه لباس الرّجل، وأن لا يشبه لباس الكافرات، وأن لا يكون لباس شهرة.

 وقد سمعت أدلة هذه الشروط من الكتاب والسنة باختصار، فاحرص أيها المسلم على تحقيق هذه الشروط في لباس زوجتك وبناتك، ومن تحت نظرك من النساء، لتنقذ نفسك من المسؤولية الكبرى أمام الله، لأنك راع ومسؤول عن رعيتك، وارجع بصرك إلى هذا المجتمع المنحل لترى نتائج الإهمال والتمرّد والخروج على حدود الآداب الإسلامية، وقد أفلت الزمام من يدنا فلم يعد الرجل قادراً على ردع زوجته أو بنته إذا حاول ذلك، والجمهرة الكبرى من الرجال يوافقون نساءهم على التورط في هذا الخزي، فيتحملن النتائج راضين لذلك، لم يبق أمر الزّنا والعِرض مدعاةً للقلق والغضَب والثورة، بل أصبح شيئاً معتاداً أو قريباً من المعتاد.

 وقد اعتدنا غالب المنكرات لوقوعها دائماً، وفي كلّ وقت بين أظهرنا، وعلى مرأى ومسمع منا، فألفناها، وهذا سبب النّقمة واللعنة والغضب الإلهي، وقد لعن الله قبلنا اليهود بهذا السبب، يقول سبحانه: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل…) وهذه المستشفيات الحكومية، ومستشفيات الولادة تستقبل كلّ يوم عدداً يرتفع من يوم لآخر من أولاد الزنا، وهناك أجنحة خاصة بالأطفال الذين لا يعرف آباؤهم، فليتأمل المسلم العاقل ما ينتظر هذه المجتمعات من مقت الله وغَضبه إن دام الأمر هكذا. اللهم لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا، وأنقذنا يا مولانا من الويلات المحدقة بنا، والطف بنا فيما قضيت علينا، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *