الصلاة.. الصلاة..

كانت آخر كلمات حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم التي ودَّع بها هذه الدنيا، تلك الوصية المنفطرة من قلب رسولٍ عليه الصلاة والسلام (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْـمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)، حين ردَّد في آخر حياته: الصلاةَ… الصلاةَ…

إن من حُبِّنا للرسول صلى الله عليه وسلم واستشعارنا لمقامه، وإيماننا برسالته، واتباعنا لقـوله وفعله، أن نضع هذه الوصية ونرفعهـا في مقامها اللائـق بهـا في سُـلَّم حياتنا.
وكـلُّ ما من شأنه أن يعظِّم من أمر الصلاة في حياتنا وقلوبنا وذرياتنا، فهو من الأولويَّات التي يجب أن يتواصى الجميع بها، وأن تكون «الصلاة… الصلاة…!» هي من أعظم الأصول التي نحرص عليها.
إنه من المحزن حقّاً أن يشيع تضييع هذه الشعيرة العظيمة في كثيرٍ من مجتمعات المسلمين؛ فتجد في كثيرٍ من المسلمين من يؤخـِّرها عن وقتها المفروض، أو يفرِّط في أدائها؛ فلا يأتيها إلا وهو كسلان متثاقل؛ كصنيع المنافقين الذين قال الله تعالى فيهم: (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ)، أو يفرِّط في أدائها تفريطاً يُخشَى عليه من وعيد الله سبحانه: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ)، وربما يصل الأمر ببعضهم -عياذاً بالله- إلى أن يتركها بالكلية!!!
وإزاء هذا الواقع المؤسف لدى بعض المسلمين، ثمَّة واقعٌ مشرقٌ، مشرِّف، يبعث في النفس المؤمنة السعادة والابتهاج؛ وذلك حين ترى العناية الشديدة بأمر الصلاة، وارتباط كثيرٍ من النفوس بها؛ فلا تذهب إلى مكان أو تسافر إلى منطقة أو تقضي حاجة إلا وأمر الصلاة في ميقاتها ومع جماعة المسلمين في مساجد الله هو أول أمرها؛ فلا تنسيها المشاغل وتوالي الحوائج واختلاف الأزمنة والأمكنة عن حضور الصلاة في وجدانها، فيا له من منظر إيماني مشرق؛ تلك الجماعات التي تقيم الصلاة في المساجد، والأسواق، والمطارات، والفنادق، ومكاتب العمل، والمدارس، حاضرة وظاهرة يراها كل مؤمن فيسرُّه مرآها ويحمد الله عليها؛ وهي مشاهد ستكرهها -ولا بد- قلوب أقوام آخرين تشمئز نفوسهم من أي شعيرة من شعائر الإسلام تبدو ظاهرة وشائعة، وما حربهم على ظاهرة النقاب والحجاب في مجتمعات المسلمين وغير المسلمين إلا صورة لحالة الاشمئزاز من ذكر الله، تسطِّره أقلامهم ويجري على أفواههم.
إن أداء الصلوات المفروضة جماعة مع كونها من الواجبـات الشرعية علـى القـول الصحيح من أقـوال العلمـاء للـدَّلائل الشـرعية المتعـددة مـن كتـاب اللـه وسُـنة رسـوله صلى الله عليه وسلم؛ إلا أنهـا مع ذلك من أعظـم الضمـانات الشـرعية للمحافظة على أصل ركن الصلاة؛ فشيوع الصلاة جماعة، وتواصي الناس بها، وتربية ناشئة المسلمين على أدائها في المساجد يعظِّم من شأن الصلاة في النفوس، ويربط حياة الناس بدينهم؛ وهو ما يجعل التفريط في أصل الصلاة أو تركها بالكلية أمراً هامشياً وشاذّاً من آحاد الناس، وفي المقابل حين يكثر التفريط في أداء الجماعة، ويغيب الناشئة والشباب والكهول عن المساجد؛ فهي مدعاة لإضاعة الصلاة ونسيانها وتوالي التفريط فيها.
وإن واقع الحال شاهد عليه؛ فمن يحافظ على صلاة الجماعة، أو قد نشأ في بيئة تحافظ عليها، لا تكاد تجده يفرِّط في أداء الصلاة، ولو تركها في الجماعة فإنه لن يتركها بالكلية، بينما من ينشأ وهو لا يعرف الصلاة جماعة، فإن التفريط والترك كثير بينهم.
إنه من المحزن حقاً: أن تجد الأسواق التجارية في عامة بلاد المسلمين وهي تعج بالمتسوِّقين الذين يقضون حوائجهم ويشربون ويلعبون، ويدخل وقت الصلاة ويخرج ولا تقام فيهم جماعة، أو تقام بأعداد قليلة لا تكاد تُذكَر مع أعداد المتخلِّفين عن أداء الجماعة، وربما لا يوجد في كثيرٍ من تلك الأسواق مكان لأداء الصلاة.
لا شك أن هذه ممارسة لم تَقْدِر هذه الشعيرة حق قَدْرِها، ولم تراعِ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو رآها نبينا صلى الله عليه وسلم لساءته؛ كيف وهو يقول في الحديث الصحيح: “لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا ًفيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حُزٌم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرِّق عليهم بيوتهم بالنار”.
فكيف لو رأى حال كثيرٍ من هـذه الأسـواق التي لا تدري هـي ولا من فيها عن وقت الصلاة؛ ولا يوجد فيها جماعة؛ ولا مكان للصلاة؟
فالواجب العناية بأمر الصلاة والحرص على ذلك وتربية الأجيال عليها وتعليق القلوب بها، كما ينبغي الدعوة إلى حضورها مع جماعة المسلمين فإن الصلاة أجل موضوع..
ولا نغفل في هذا الصدد ما لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة من دور عظيم في توعية الناس وتعزيز القيم الفاضلة، وإنها رسالة لكل العاملين في كافة الحقول الإعلامية أن يكون لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه مكانتُها اللائقةُ بها، وكل عامل في تلك الوسائل الإعلامية هو من أقدر الناس على معرفة الطرق والوسائل المناسبة لتحقيق هذا الهدف العظيم، الذي هو من أعظم أبواب الإصلاح والنفع التي يقدمها الإعلامي لمجتمعه فهل من مصلح غيور؟
ويقع على عاتق القائمين على العملية التعليمية والتربوية في التعليم العام والعالي أمانةُ تنشئة أجيال المسلمين على تعظيم الصلاة، وتعويدهم على إقامتها والمحافظة عليها، مع العناية بتأدية الطلاب للصلاة جماعة في أوقات الدراسة، وإمداد المناهج الدراسية بالمادة الشرعية والتربوية الكافية لمعرفة أحكام الصلاة وتعزيز مكانتها.
وعلينا قبل ذلك وبعده ألاَّ ننسى دور الأسرة والمسجد والأصدقاء في التواصي والتعاضد على تعظيم مقام الصلاة في نفوس الناس، والمحافظة عليها في الجماعة، ومراعاة واجباتها وسننها وآدابها؛ فإنها وصية الحبيب صلى الله عليه وسلم: “..الصلاة..الصلاة..”.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول:” أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟! قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا” متفق عليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *