النفس عند أرسطو

تكلمنا في الحلقة السابقة عن علاقة النفس بالجسم، والنفس صورة للجسم، وبدأنا في الكلام عن قوى النفس عند أرسطو وفي هذه الحلقة سنكمل الكلام عما تبقى من نظرة أرسطو إلى النفس.

3 ـ المخيلة: وهي القوة التي تنقل إلينا صور الأشياء بعد مرورها بالحس المشترك.
4 ـ الحافظة: وهي القوة التي تحصل بها صور الأشياء مع إدراكها بأن هذه الصـور حصلت عن إحساس سابق.
5 ـ الذاكرة: وهي القوة التي تُستعاد بها صور الأشياء وتُستَحضر بعد غيابها ونسيانها.
6 ـ القوة العاقلة: وهي التي تدرك المعاني الكلية لصور الأشياء جميعها؛ فموضـوعها الفكر والمعقولات، وتنقسم إلى: العقل القابل: الذي هو استعداد القوة لأن تعقل، وإلى العقل الفاعل: الذي هو عقلها بالفعل، ومجموع هذه القوى هي النفس الإنسانية.
رابعًا: الحالات النفسية
يرى أرسطو أن الحالات النفسية -مثل الغضب والحزن والفرح والخوف وأمثالها- تكون من حالات الكائن المركَّب من النفس والجسم، وهي حالات لا يمكن نسبتها ابتداء وذاتيًا إلى النفس، ولا اعتبار نسبتها إلى الجسم ثانويًا وتابعًا، أي أنَّ عند ظهور أي حالة في النفس يستلزم اشتراك النفس والجسم، بحيث أنه عند بيان إحدى الحالات النفسية؛ لا بد من ملاحظة الحالة التي تظهر على الجسم في الوقت نفسه.
ولذلك؛ عند بيان هذه الحالات لا بد من الأخذ بنظر الاعتبار حالات جسمية خاصة تظهر مواكبة لها وإيرادها عند تعريف تلك الكيفية؛ فمثلاً: عند تعريف حالة الغضب؛ لا يمكن أن نكتفي بالقول بأن: (الغضب حالة تظهر في النفس استعدادًا للهجوم والانتقام‏)، بل لا بد من الإشارة إلى التغيير الذي يقترن بهذه الحالة في القلب وارتفاع حرارة الجسم، واعتبار ذلك متمِّمًا للوصف.
ولهذا يقول: (إذا ظهرت حالات جسمية مما تقترن مع بعض العواطف، مثل: الغضب والخوف؛ فإن تلك العواطف نفسها تظهر أيضًا، حتى إذا كانت العلل الروحية لظهورها ضعيفة جدًّا أو عديمة الوجود‏).
خامسًا ـ بقاء النفس:
يرى أرسطو أن النفس تتصل بالجسم اتصال تدبير وتصرف، وأنها حدثت مـع حدوث البدن، وأنها تبقى بعد مفارقة البدن بعوارض معينة له إن لم توجد تلك العوارض قبل اتصالها بالبدن.
وعلى الرغم من قوله بعدم إمكانية بقاء النفس إذا لم يبق البدن، إلا أنه قال بأن النفس إذا استكملت قوتي العلم والعمل تشبَّهت بالإله ووصلت إلى كمالها! -على الرغم من أنه جعل الإله لا يعلم ما في العالم لا من جهة الخلق والتدبير، ولا من جهة العلم تنزيهًا له- وهذا التشبه بقدر الطاقة، ويكون بحسب الاجتهاد أو بحسب الاستعداد، وإذا فارقت البـدن اتصلت بالروحانيين “عالم العقل” وتم لها الالتذاذ والابتهاج.
فأرسطو إذًا يـقول بالمعـاد للنفس البشرية، ولا يثبت حشرًا ولا نشرًا، ولقد أخذ الفلاسـفة الإسـلاميون -مثـل الفارابي وابن سينا- هذا الاعتقاد عن أرسطو، وزعموا أنـه المـذهب الحـق، وأوَّلـوا نصوص القرآن الكريم التي تثبت المعاد الجسماني والنعيم والعذاب الحسيين بما يتلائم مع ما أخذوه عن أرسطو كما سنبين بعد ذلك بإذن الله في حلقة قادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *