تمثل جماعة “عبدة الشيطان” أحد مظاهر الانتكاسة، والبعد عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ونحن في تناولنا لعبدة الشيطان، نودُّ أن ننبه إلى أننا لا نتحدث عن “اليزيدية” التي سبق الحديث عنها في العدد السابق، والحديث في هذا العدد مقتصر على تلك المجموعات الشبابية التي بدأت تظهر في بعض مجتمعاتنا الإسلامية، ويطلق عليها اسم: “عبدة الشيطان”.
النشأة
لا نتكلم عن الظهور القديم لعبدة الشيطان في الحضارات السابقة كما عند الغنوصيين وقدماء المصريين وفي الحضارة الهندية والإغريقية وفي أرض فارس وبابل وآشور، أو في القرون الوسطى كما حدث في أوربا، ولكن الذي يهمنا هو الظهور الحديث لهذه الطائفة.
ظهورها الحديث
في عام 1948م ألف البريطاني “ألستر كراولي” كتاباً أسماه “الشيطان الأبيض” دافع فيه عن الإثارة والشهوات الجنسية، وألقى محاضرات مطولة عن الجنس في بريطانيا، وأصبح بعد ذلك هو المعلم الأول لجماعة عبدة الشيطان التي أخذت تنتشر أيضا في الولايات المتحدة، ليتزعمها بعد ذلك يهودي أمريكي هو “انطوان شذليفي”، الملقب بالبابا الأسود.
وقد ترعرع “ليفي” في كاليفورنيا، وفي سنة 1966م أعلن عن فرقته، وأسس في سنة م1969 معبداً يدعى بكنيسة الشيطان، كما ألف عدداً من الكتب الفلسفية لترويج الفكر الشيطاني، منها كتاب “الشيطان يقول”، وكتاب “الإنجيل الأسود”.
وإضافة إلى الولايات المتحدة، فإن عبادة الشيطان تشهد تزايداً في فرنسا أيضاً، فقد أشار تقرير عن البعثة الوزارية لمراقبة ومكافحة التجاوزات الطائفية، وتم تسليمه إلى رئيس الوزراء أن ظاهرة عبادة الشيطان تكتسب أرضاً جديدة في فرنسا مما يؤدي إلى زيادة عمليات تدنيس المقابر، وطقوس معادية للمسيحية. كما تشهد الظاهرة تزايداً أيضا في الدول الاسكندينافية وروسيا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا واليونان وجنوب أفريقيا، واعترفت بعض الدول بها.
وحسب تقارير مكتب التحقيقات الفيدرالي في الولايات المتحدة، فإنه يدخل في كل عام في هذه الديانة 50 ألف شخص من مختلف دول العالم، كما أكد أن هذه الطائفة وراء كثير من جرائم القتل وخطف الأطفال، وخاصة في ولايتي “سان فرانسيسكو” و”لوس أنجلوس”، حيث كانت الشرطة تجد بقايا دماء أطفال، وحيوانات مذبوحة بجوارها الشموع والأقنعة السوداء والجماجم.
انتقالها إلى المجتمعات الإسلامية
ظلت المجتمعات الإسلامية محصنة فترة من الوقت من هذه “الديانة الإبليسية” إلاّ أن بعض العوامل ساعدت على دخولها إلى بعض الدول الإسلامية، أهمها:
1- تطور وسائل الاتصالات.
2- تسارع وتيرة التطبيع بين الدولة اليهودية.
3- ترويج الكُتاب اليساريين للأفكار المنحرفة في المجتمعات الإسلامية.
4- تسخير كافة وسائل الإعلام والثقافة والفن، لنشر أفكار عبادة الشيطان، وجعلها مستساغة عند المسلمين، ومن ذلك نشر وسائل الإعلام الغربية لأفلام تتحدث عن مصاصي الدماء، وأشخاص ذوي قدرات سحرية، ليغروا الشباب بامتلاكها إن وجدت، مثل فيلم الغراب، ومسلسل “بافي”، و”إنجل” وغيرها، وللأسف تساهم كثير من الفضائيات العربية في نشر مثل تلك الأعمال.
تسربها للدول الإسلامية
لن نتطرق في ذكرنا لكل الدول الإسلامية لأن المقام لا يتسع لكل ذلك ولكن نكتفي بذكر بعضها لنبني تصورا عن هذه الظاهرة في البلدان الإسلامية:
مصر
أول ظهور لعبدة الشيطان في مصر، يعود إلى أواخر سنة 1996م، ويقال أن كلمة “عبدة الشيطان” ترددت على أسماع المصريين لأول مرة في 27/1/1997، عندما خرجت الصحف المصرية تحمل خبراً مثيراً للجدل، عن القبض على 86 شاباً وفتاة يعبدون الشيطان.
لبنان
في مطلع عام 2003م أطلق وزير الداخلية اللبناني -آنذاك- إلياس المر صرخة نذير بشأن شباب لبنان، بسبب تفشي الظاهرة بينهم، داعياً إلى التشدد في تطبيق القوانين تجاه عبدة الشيطان. كما أعلن الوزير عن انتحار 11 شخصاً سنة 2002م وقعوا في براثن هذه الجماعة التي كانت قد شهدت انتشاراً ملحوظا. كما أعلن عن نية وزارته إنشاء مكتب مكافحة “عبدة الشيطان”.
المغرب
بدأت تنتشر في المدن السياحية كالدار البيضاء والرباط ومراكش وفاس وأكادير والصويرة. وينظمون حفلات بشكل دوري، أما لقاءاتهم العادية فتتم داخل مقاهٍ يلتقون فيها سرّاً.
وفي بداية شهر مارس 2003م، كتبت الصحف عن اعتقال 14 شاباً أحدهم مصري الجنسية، وتم الحكم عليهم بالسجن والغرامة المادية.
الجزائر
نشرت وسائل الإعلام هناك بتاريخ 3/2/2002م تقريراً إخبارياً جاء فيه أن مجموعة تلتقي كل ليلة في مقبرة “مسيحية” في الجزائر العاصمة وبحوزتها أشرطة تتحدث عن القوى الشيطانية، والقوى الخفية، وكانت تلك المجموعة تقدم قرباناً، عبارة عن ديك أو قط أسود، يذبحونه ويلطخون أجسادهم العارية من دمه، ثم يهمهمون بكلام غامض، ويدورون حول الدم المأخوذ من الحيوان الذي مزقوه قبل أن يبدؤوا بتصرفاتهم الشاذة.
ماليزيا
اكتشفت السلطات الماليزية أول تواجد لعبدة الشيطان في عام 2001، واعتقلت آنذاك 150 شخصاً، وفي بداية شهر دجنبر سنة 2005م، وفيما يبدو أنه إحياء لتنظيم عبدة الشيطان، تم القبض على 105 شباب بينهم 4 فتيات في عملية مداهمة لحفل موسيقي صاخب في قاعة بولاية “نيجري سيمبيلان” جنوب البلاد..
أفكارهم وطقوسهم وممارساتهم
1- اعتقادهم بأن الشيطان ظُلِم من قبل الله –تعال الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا- عندما طرده من الجنة إثر رفضه السجود لآدم، لذلك فإنهم يعتبرون أن الشيطان يستحق التقدير، وهو رمز القوة والإصرار. كما يعتبرون الشيطان القوة العظمى التي تحرك الحياة والبشر.
2- إطلاق العنان لممارسة الجنس والشهوات وتعاطي المخدرات والخمور.
3- من طقوسهم: ارتداء الثياب السوداء، وإطالة الشعور، ورسم وشم الصليب المعقوف على صدورهم وأذرعهم، أو النجمة السداسية، ولبس قلادة سوداء عبارة عن نجمة خماسية يتوسطها رأس شيطان بقرنين ملتويين إلى الخلف.
4- يفضلون الاجتماع لأداء طقوسهم في أماكن مهجورة أو نائية أحياناً، ويرسمون على جدرانها أشكالاً مخيفة كالأفاعي والجماجم، أو أشكالاً غريبة تدمج فيها أكثر من حيوان أو هيئة.
5- يرافقهم في هذه الجلسات الموسيقى الصاخبة، ويرددون بعض الكلمات على شكل أغانٍ ينشد فيها الموت والانتحار، إضافة إلى تعاطي المخدرات والمسكرات بشكل مبالغ.
6- إقدام بعضهم على الانتحار.
7- نبش القبور وإخراج جثث الموتى.
8- اعتبارهم أن الأخلاق تكرس الضعف، وهم إنما يريدون أن تقوم العلاقات بين الناس وفق اللذة والمنفعة، ويعتبرون الأخلاق عنصر تعويق، لا عامل دفع وترقية.
الوصايا التسع
وهي مجموعة من الوصايا والمبادئ التي تعتبر من ثوابتهم:
1- أطلق العنان لأهوائك وانغمس في اللذة.
2- اتبع الشيطان، فهو لن يأمرك إلاّ بما يؤكد ذاتك ويجعل وجودك وجوداً حيوياً.
3- الشيطان يمثل الحكمة والحيوية غير المشوهة، وغير الملوثة، فلا تخدع نفسك بأفكار زائفة سرابية الهدف.
4- أفكار الشيطان محسوسة ملموسة ومشاهدة، ولها مذاق، وتفعل بالنفس والجسم فعل الترياق، والعمل بها فيه الشفاء لكل أمراض النفس.
5- لا ينبغي أن تتورط في الحب، فالحب ضعف وتخاذل وتهافت.
6- الشيطان يمثل الشفقة لمن يستحقونها بدلاً من مضيعة الحب للآخرين وجاحدي الجميل.
7- انتزع حقوقك من الآخرين، ومن يضربك على خدك، فاضربه بجميع يديك على جسمه كله.
8- لا تحب جارك، وإنما عامله كأحد الناس العاديين.
9- لا تتزوج، ولا تنجب، فتتخلص من أن تكون وسيلة بيولوجية للحياة وللاستمرار فيها، وتكون لنفسك فقط.
يتضح مما سبق
أن جماعة “عبدة الشيطان” تمثل أحط مظاهر الانتكاسة والبعد عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وتكرس الظلم، وتشجع على ارتكاب المحرمات من زنا واغتصاب وقتل وانتحار، ولذا نهيب بالمسؤولين بالمسارعة إلى اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة في حق هؤلاء ومنعهم من ارتكاب هذه الجرائم في حقهم وحق الآخرين.