(التطرف الديني) المزعوم، هذا الاصطلاح الوافد إلينا من كل الجهات يصبح اليوم الأب الروحي لغيره من الاصطلاحات التي لا زالت تدوِّي وتجلجل وتقرع الأسماع وتصمّ الآذان (كالتشدد والتعصب والانغلاق والأصولية والإرهاب والرجعية والماضوية..)، في أجهزة الإعلام الرسمية وغير الرسمية، ومن الجدير بالذكر أن اصطلاحاً كهذا ينصرف على الفور إلى الإسلام والمسلمين لمجرد سماعه من غير بذل أي جهد في التحليل والتمحيص؛ ذلك لأن الإشاعة التي برمجها أعداء هذا الدين في أروقة الاستخبارات التابعة للدول الاستعمارية في الشرق والغرب جعلت من هذا الاصطلاح تعبيراً بديلاً عن النشاط الإسلامي في أية بقعة من بقاع الدنيا.
يجب أن نستبعد استعمال اصطلاح (التطرف الديني) من إعلامنا وكتاباتنا ونشراتنا؛ لأن هذا الاصطلاح لا يدل على موجود فضلاً عن أنه لا علاقة لنا به، وهو عندما أُطلق للمرة الأولى أُطلق على غيرنا؛ فالله -جل ذكره- يقول عنا نحن المسلمين: “وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا” [البقرة : 143]، إننا نقف وسط الخط من غير إفراط ولا تفريط، وعندما يطلق العالم الغربي هذا الاصطلاح علينا فإنه لا يطلقه على فرد في المجتمع وإنما يرمي به جماعات ومجتمعات وحركات عريضة، وعلماء أجلاء وقادة أفاضل، ورموزاً طاهرة قادت الأمة إلى المقاومة في الليل الحالك لترفع سيف الاستعمار الآثم والصهيونية المجرمة والشيوعية المقبورة عن رقاب الأطفال ولتصون أعراض المسلمات في كل بقاع الدنيا من عدوان الصهاينة والشيوعيين.
لقد أصبحنا في العالم الإسلامي المنكود نردد ما يقوله الغرب والشرق عنّا من التطرف والغلو والتشدد، ونستخدم مثل هذه المصطلحات ضد إخواننا وأبنائنا ممن ساروا مع قافلة الصحوة، وتشبثوا بأهداب هذا الدين الحنيف، وما ذلك إلا تنفيذاً لكل ما لقنته لنا الهيئات الاستعمارية حول كون تلك الحركات والجماعات والمنظمات متطرفة متعصبة أصولية إرهابية، فسِرْنا وراءهم بحماس يفوق حماسهم، سرنا وراءهم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، ولو دخلوا جحر ضب لدخلناه وراءهم، كما قال رسول هذه الأمة صلى الله عليه وسلم.
من المتطرف: الضحية أم الجلاد؟
إننا نتساءل وبكل لغات العالم :
مَن هو المتطرف.. الضحية أم الجلاد ؟ ؟ !
ولماذا ألبس الإرهاب طقية المسلمين بدل طقية اليهود؟
إن أكثر الناس يحسبون أن رمي الإسلام وأهله بالتطرف قد بدأ بعد أحداث الحادي عشر من شتنبرجاهلا أن الأمر قد طبخ في مراكز الدراسات الاستراتيجية قبل سقوط الاتحاد السوفييتي بسنين، ولعل أهم الوسائل التي رسخت الربط بين لحية المسلم -كرمز على التزامه بدينه- وبين التفجير والإرهاب وسائل الإعلام الغربي الآثم الذي مافتئ يمارس سياسة التحريض ضد الإسلام والمسلمين ويصورهم على أنهم وحوش هذا العالم وصار الخطاب عن التطرف الإسلامي والإرهاب الديني، أين هو التطرف؟
إننا لم نشاهد هذا الزخم الإعلامي ولم نرقب مثل هذه التحذيرات المرعبة، ولا طرقت أسماعنا بالأحاديث المفزعة عن الإرهاب والتطرف والهمجية عندما كانت سكاكين الصرب تخوض في بحور الدماء في البوسنة والهرسك، إدارات المدارس والوزارات والحكومات والهيئات الشعبية هناك، كلها وقفت تنادي بطرد العرب والمسلمين، واليهود والنصارى دقوا الطبول لأن اللحن أعجبهم، الكل صار يهتف بنغْمة متناسقة تنادي بوقف التطرف الديني.
مَن المتطرف؟
ومن الضحية؟
وكذلك في فلسطين السليبة فالعالم كله لم يستطع أن ينتزع قرارا لمجلس الأمن ..عفوا.. “مجلس الخوف” يدين إسرائيل رغم المجازر البشعة التي وصلت درجة جرائم الحرب، ورغم أشلاء الأطفال والنساء المتناثرة في كل مكان.
مَن المتطرف؟
ومن الضحية؟
أما في العراق الجريح الغارق في دماء أهله الزكية فالتواطؤ الدولي (النصراني-الصهيوني-الشيوعي-الشيعي) صار مكشوفا للجميع هناك، خصوصا عندما تبين أن ليس هناك أسلحة للدمار الشامل وأن ليس هناك سوى البيترول وأمن الكيان الصهيوني.
– فبالله عليكم – مَن المتطرف؟
ومن الضحية؟
وأين هي “الشرعية الدولية”!؟
إنها هناك في بلاد السودان تتهيأ كي تفتح للأمريكان أنابيب البترول السوداني لتضخ الذهب الأسود في محركات مصانع أمريكا لكن هذه المرة باسم الشرعية الدولية وليس انتقاما للنفس كما كان الشأن مع أفغانستان والعراق.
بين النبل والهمجية
عندما احتل الصليبيون مدينة القدس ذبحوا كل أهلها عن بكرة أبيهم حتى خاضت الخيل في بحور الدماء إلى بطونها، دون تمييز بين طفل أو امرأة ودون احترام لمنزل أو مسجد، وعندما دخلها صلاح الدين الأيوبي وحررها من النصارى وأهل الصليب أعطى أهلها الأمان وعاملهم معاملة الرجال الكرماء، فدخل الناس في الإسلام أفواجا.
إنها وسطية الإسلام وتطرف “الآخر”.
ذلك الآخر الذي يسوّق بعض المستغربين لبضاعته بيننا على أنها البلسم الشافي لتخلفنا، دون أن ينبهوا الناس إلى أن سبب تخلفنا يكمن في تسلط هذا الآخر “الغرب” على مقدراتنا الاقتصادية، ومحاصرتنا بقيمه التي يجبرنا على تبنِّيها مستغلا القروض في حين يحمي من يختلسها بالنهار لتعود إليه مهربة بالليل.تلك القروض التي يستردها منا أضعافا مضاعفة ممارسا علينا بها الضغوط تلو الضغوط حتى نغير ونبدل مناهجنا التعليمية ونضبط حقلنا الديني وفق ما تقرره مراكزه الخاصة بالدراسات الاستراتيجية.
أما في أوطانه:
فالإنسان الأسود يُحتقر وتصل المعاملة في بعض الأحيان إلى حد القتل لا لذنب سوى أن لونه أسود، ذلك هو التطرف، وتلك هي الجريمة والإرهاب والهمجية في عالم يدعي الحضارة واحترام الإنسان!
إن هتلر – لسان حال ألمانيا النازية كان يقول وبصراحة – : (الشعوب الشرقية يجب أن لا تعيش، وإذا قُدّر لها أن تعيش فيجب أن تُدرَّب كما تدرب الكلاب الصغار) ومثله في ذلك مثل مادلين أولبرايت سابقا وديك تشيني وبوش حاليا!!
إنه التطرف.. وإنها العنصرية والحيوانية.. والهمجية والبهيمية، إنها صفاتهم وأما نحن المسلمون فلا نقول إلا كما قال ربنا : ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” [الحجرات : 13]، إنه اعتدال المسلمين ووسطية الإسلام.
اليهود في فلسطين، وأمريكا في العراق وأفغانستان،والصرب في البلقان،وروسيا في الشيشان، والبوذيون في بورما (ميانمار حاليا)، والهندوس في الهند وكشمير، والأرمن في قره باغ، والشيوعيون في جمهوريات آسيا الوسطى خصوصاً في تركمانستان وطاجيكستان، كل هذه الملل وغيرها تمارس القتل والذبح والاغتصاب والتصفية العرقية، وكل ما هو محرم إنسانياً وحيوانياً، يمارسون ذلك ضد المسلمين في طول الأرض وعرضها لا لشيء سوى أنهم مسلمون – تحت مظلة الحماية التي توفرها لهم الأمم المتحدة – (الأمم المتحدة ضد كل ما يمتّ إلى الإسلام والمسلمين بصلة) – ممثلة بالدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمن، والتي تشكل عصابة تروج للانحراف والجريمة، والتخطيط الآثم للاعتداء على المسلمين وإذلالهم، وهتك أعراضهم والزج بهم في أتون الفضيحة الكبرى، فقط لأنهم مسلمون !!
إذن مَن هم المتطرفرن ؟
ولماذا يسكت العالم وسدنة النظام العالمي الجديد؟
إن سكوت العالم يعتبر من أنواع التطرف الديني الخطر بل يعتبر تطرفاً سافراً وعنصرية منحطة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً قط، عندما يُطلب من المسلمين الانصياع – وبالعصا – لمقررات صِيغت بأقلام المستعمرين، وذيِّلت بختم الأمم المتحدة يُكافَأ اليهود والنصارى والهندوس والشيوعيون على قفزهم فوق مقررات المنظمة الدولية، في حين يحاصر العراق عشر سنين يموت خلالها أكثر من مليون طفل ثم بعدها يحتل ويسجن شرفاؤه وتهدم مساجده وتهتك أعراض نسائه تحت أعين الأمم المتحدة وغير المتحدة.
أما العلمانيون من بني جِلدتنا فإنهم لا يرون شيئاً في الإسلام يمكن أن يطلق عليه اعتدالاً، فالإسلام والتطرف لديهم مترادفان أبداً.
” وَاللَّهُ يَقُولُ الحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ” [ الأحزاب: 4].