سلسلة بيان حقيقة حال أبي عصواد (أحمد عصيد) لباس المرأة 2/2 ذ.طارق الحمودي

لا زالت هناك أبعاد مجهولة أو متجاهلة في الحديث عن اللباس، يدل عليها وجود تساؤلات وإشكاليات تاريخية واجتماعية لا تزال قائمة بغير أجوبة علمية مقنعة، وقد أشار إلى بعضها (رولاند بارد/Roland Barthes) في مقال له بعنوان: (تاريخ وسوسيولوجية اللباس/Histoire et Sociologie du Vêtement).
ولعل الدكتور أحمد الأبيض استطاع أن يجمل ذلك في كلمة ثقيلة في (فلسفة الزي الإسلامي ص:24-25) حين قال: (في هذا المناخ المتسمم من الاغتراب الحضاري، يبدو الزي الإسلامي للمرأة المسلمة كتعبير صارخ منها على تأكيدها على هويتها وشخصيتها المتميزة، ورفضها للانبتات أو الإلحاق الحضاريين، فالزي الإسلامي للمرأة هو تعبير عن اكتشاف لطريق النهضة في إطار التواصل التاريخي لمجتمعنا في منأى عن الدوران في فلك المركزية الأوروبية… فالزي الإسلامي للمرأة إذن تعبير عن إحساس عميق ووعي حاد بجميع أبعاد اللحظة الراهنة وما تستلزمه من أدوار حاسمة لإحداث التطور الاجتماعي المرتقب، بعيدا عن كل اغتراب زمني في ماضي الذات أو في حاضر الآخر)… رائع!
كان ينبغي على أحمد عصيد ومن لف لفه؛ وأطال صفه؛ أن يعلموا أن لباس المرأة الشرعي كان سطرا من الرسالة الحضارية التي حملها العائدون من الحروب الصليبية إلى أوروبا الجاهلية… كما يقول ‹‹آدم ميتز›› في الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري (2/226): (لما اتصل أهل أوروبا بالشرقيين أيام الحروب الصليبية، نقلوا إلى بلادهم هذه القلانس الطوال ومعها الخمر، وجعلوها لباس النساء في الغرب).
وكان ينبغي أن يعلموا أيضا أن لباس المرأة الساتر كان أثرا من الآثار الحضارية للوجود الإسلامي في الأندلس، إلى درجة أن النساء النصرانيات كن يقلدن المسلمات الأندلسيات في لباس الحايك وتغطية الوجه إلا عينا واحدة… بل وصل الأمر بهم إلى تخليد ذكرى المرأة المحجبة بالسواد في بلدة (بخير) قرب قادس بتمثال مطل على القرية… في أبهى حلة ..وأعلى محلة.
وسبب هذا هو ما استطاعه الإسلام من إعادة إحياء الصلة بين الباطن والظاهر في حياة الناس، فصار الظاهر عنوانا على الباطن، وصار الباطن محددا لشكل الظاهر وصورته.
قال الدكتور فريد الأنصاري في سيماء المرأة في الإسلام (ص57): (إن لباس المرأة في الإسلام ليس أحكاما شكلية فحسب على ما يعتقده بعضهم، كلا، إن اللباس مضمون جوهري يضرب في عمق الغيب، إنه بعد وجودي يرتبط بالطبيعة الوجودية للمرأة من حيث هي إنسان) وصدق رحمه الله.
مغالطة ‹‹عصيد›› الثالثة:
زعم أن العفة والكرامة مرتبطة بالحرية والتربية العقلانية.
وجهة المغالطة في هذا الكلام هو عدم وضوح الروابط الفكرية بين المصطلحات ومعانيها في الاستعمال العصيدي، فإن كانت الحرية التي يتحدث عنها ‹‹أحمد عصيد هي حرية المرأة في أن تستعمل جسدها كيفما شاءت ولو في الزنا التي يسميها ‹‹عصيد›› وثلة المشاغبين لؤما وخبثا (العلاقات الحميمية)، فإن العفة التي يتكلم عنها أبو عصواد حينها ستكون هي السفالة الأخلاقية إحدى أقبح أنواع العفن الاجتماعي.!!
وهذا في الحقيقة مقصد العلمانية المغربية على الخصوص، وقد نبه الدكتور فريد الأنصاري في (الفجور السياسي/ص:69-70) إلى أن العلمانية المغربية اختارت الأسلوب السوسيوسياسي للقضاء على حركة الوعي الإسلامي، وهو أخطرها وأكثرها فعالية في البلوغ إلى هدفها بأقل الخسائر، لتجفيف منابع التدين، وتلقيح المجتمع ضد الصلاح، والوصول بالرأي العام إلى مستوى الرفض الاختياري لكل ما هو نظيف!!
إن نفي أحمد عصيد أن تكون العفة مرتبطة ارتباطا ثقافيا ورمزيا بالعفة يعني أنه يعتقد أن المتبرجة والعارية أكثر عفة وكرامة بسبب الحرية والتربية العقلانية… وهذا في الحقيقة منتهى التسيب واللاعقلانية!
إن موقف ‹‹عصيد›› وثلته ليس موقفا من قطعة قماش تلف فيه المرأة كما قال؛ بل هو موقف من أحد رموز الحضارة الإسلامية… ويحسن هنا صوغ هذا السؤال: إذا كان هذا اللباس بهذا الثقل الحضاري والسعة الثقافية فما أثره على البناء الفكري والنفسي؟!
والجواب في قول الدكتور أحمد الأبيض في (فلسفة الزي الإسلامي ص36): (عندما تختار المرأة ما اختاره لها ربها من زي إسلامي ومناشط اجتماعية وجهادية، فإنها ستجد أن لباسها الشرعي يذكرها في كل لحظة بذاتها وهويتها الرسالية، فسيكون عامل صد عن سلوك مائع إذ لا يستسيغ لا الوعي الفردي ولا الوعي الجمعي أن يصدر منها ذلك وهي رمز العفة والطهر، سيكون دافعا قويا ومحرضا مستديما على الجهاد..).
وهذا الذي فهمه ‹‹عصيد›› وجماعته وتفطنوا لبعده الكوني… فأظهروا الغفلة عنه، فقاموا في وجهه مثل ما نقلته عن أبي عصواد… وقبلهم تقرير راند الأمريكي المتعلق بالإسلام الديمقراطي الذي أشار إلى أن (الإسلام لا يأمر بارتداء أي نوع من الحجاب أو غطاء الرأس)…
هذا هو حال الطفيليات الفكرية أمام عاصفة الحضارة الإسلامية.. التي تقتلع الفساد وترمي به في مزبلة التاريخ ركاما بعضه فوق بعض.
هذه هي عقلية أبي عصواد، وهذه هي نتيجة التربية (العقلانية) العلمانية التي تلاقاها أبو عصواد في مدرسة المشاغبين!!
حسبي الله ونعم الوكيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *