يجيب على هذا السؤال المفكر اللبناني العلماني علي حرب في كتابه (الإنسان الأدنى أمراض الدين وأعطال الحداثة) (ص:64؛المؤسسة العربية للدراسات والنشر): (هذا يقتضي التوقف عن استخدام مفردات العصور الوسطى والحروب الدينية أو الفتن الطائفية.. مثل الكفر والشرك أو البدعة والضلالة أو الذمي والآمن أو الغربي والصليبي..!).
فيظهر بهذا أنهم يريدون أن نسكت عن الإنكار على الأخطاء.. وتسمية المصائب بأسمائها.. خصوصا المصائب القاتلة في العقيدة والتوحيد، من شرك وتبرك بما لا يجوز التبرك به والغلو في الصالحين والحلول والاتحاد ووحدة الوجود والرقص والغناء والإلحاد والطعن في الإسلام..!
يريدون أن نسكت عن احتقارهم للشريعة وسوء أدبهم مع نبينا صلى الله عليه وسلم كما فعلت المرنيسي في الحريم السياسي (ص:141) حين جعلته في صورة من: (يبحث صراحة عن الجنسية وشهوة الجنس)، وسب أصحابه كما فعلت جريدة الأيام والنيل من الله تعالى بسوء الأدب مرة والطعن المباشر مرة كما فعلت مجلة “نيشان” في ملف النكت.
أو كما فعل العلماني المصري خالد منتصر في البرنامج المشهور (العاشرة مساء) حين قال: إيه دخل الله في السياسة؟!!!
يريدون منا أن نغض الطرف عن تلبيسهم على المغاربة أهل الفطرة والدين.. والذي وراء هذا كثير جدا ومقزز! وما هكذا يا علماني تورد السيارات..كي لا يقال: رجعي في العبارات..!
إن نظرة متفحصة علمية للمصطلح سيجد أن الأمر ليس هينا على الإطلاق.. فللقوم مقاصد سوء مبيتة من استعمال مثل هذه المصطلحات الحادثة في شكلها ومضمونها..
فالمصطلح ينتمي إلى مجموعة الاصطلاحات المعربة المستوردة من الثقافة الغربية والتي يحيط استعمالها غالبا نوع من الغموض المقصود أحيانا لأهداف مدروسة؛ وقد نبه على هذا الدكتور الأستاذ علي النملة في كتابه الماتع (إشكالية المصطلح في الفكر العربي-الاضطراب في النقل المعاصر للمفهومات)، وقد جعله أحد النماذج السبعة التي مثل بها الأستاذ للمصطلحات المضطربة والغامضة التي أوردت إشكالا فكريا في المصطلح العربي فراجع كلامه هناك (ص:75).. بل راجع الكتاب كله.. فإن فيه العجب! بل نقل فيه عن الأستاذ رضوان السيد أن مصطلح التسامح دخيل على الفكر العربي الإسلامي كما في المصدر نفسه.
معنى التسامح …عندهم!
لابد أولا من معرفة مذاهب الناس في معنى التسامح.. لأن اختلافهم في تحرير هذا المصطلح يندرج أيضا في فلسفة.. التسامح!
التسامح عندهم تعددية وخلاف وتنوع مع الحيادية وقبول للآخر..! وهو مقتضى حقوق الإنسان والديمقراطية والمساواة!
وقد اختلفوا بعد ذلك على طريقتين كما يقول بعض المفكرين: اتجاه يرى أن التسامح أن توافق الغرب في كل ما يريده حتى تكون مواطناً صالحاً في هذه الأرض. وهناك من يقول التسامح أن تعطي للناس ما يستحقونه وأن تعاملهم بالعدل؛ لكن ليس معنى ذلك أن تتنازل عما يميزك، وعن خصوصياتك وعن قدراتك، لأنك إذا ذبت في العالم فإنك ستذوب إلى الأبد، ولكن إذا حافظت على أصولك فإنك ستبقى محافظاً على كيانك وشخصيتك. وهذا يعني البقاء .
وقد نظَّر لفلسفة التسامح كبار عندهم.. ومن لسانهم نحاججهم..
فالتسامح قانون طبيعي عند فولتير، ونحن المسلمين نعتقده قانونا شرعيا مع كونه طبيعيا مما يضيف إليه نكهة خاصة وقوة إيجابية هادفة ومنتجة، وهو تحقيق جو ملائم للحوار والدعوة إلى توحيد وعبادة الخالق والإحسان إلى المخلوق.
كانت محاولات التنظير منه ومن غيره لها بعد أن نشأ التسامح بوصفه فكرة على أنقاض الحروب الدينية في أوروبا بين الكاثوليك والبروتستانت في القرن السادس عشر. وبه تتضح الحقيقة التاريخية لتطور مفهوم التسامح في كتاب جون لوك سنة 1689 الذي عنون بـ “رسالة في التسامح Lettre sur la tolérance حيث يعلن في طيّات هذه الرسالة: “أن التسامح جاء كرد فعل على الصراعات الدينية المتفجرة في أوروبا، ولم يكن من حَلّ أمام مفكري الإصلاح الديني في هذه المرحلة التاريخية، إلا الدعوة والمناداة بالتسامح المتبادل والاعتراف بالحق في الاختلاف والاعتقاد.
فقال فولتير كلمته المشهورة المقررة لذلك التنظير والتي تعلي من شأن الحرية والتسامح وقبول الآخر على مبدأ الاختلاف إذ يقول: (إنني لا أوافق على ما تقول، ولكنني سأدافع حتى الموت عن حقك في أن تقوله).
هذه هي سذاجة التنظير عندهم وسخافتها بل ونفاقها…!
قالت: والأسخف من هذا كله أنهم اختلفوا في تعريف التسامح على أقوال كثيرة متباعدة، وصار لكل واحد من أولئك المنظرين مذهب ينسب له في التسامح فيقال: مذهب سبينوزا في التسامح، ومذهب جون لوك، وفرانك أبوزيت، وغابريل مارسيل، وريمون بولان كما في كتاب (التسامح من العنف إلى الحوار) للأستاذ عادل العوا .
قال الأستاذ علي النملة محيلا على (مناقشة مفهوم التسامح من منظور فكري غربي) لعصام عبد الله: (وإذا تعددت مذاهب التسامح لم يبق منه شيء على أرض الواقع، وإن بقي بقي تنظيرا لا فائدة تطبيقية منه).
ومن المعلوم أن الاصطلاح ليس أمرا ارتجاليا، فإن من أهم مبادئه تجنب تعدد الدلالات للمصطلح الواحد في الحقل الواحد كما في كتاب (المصطلحات الوافدة وأثرها على الهوية الإسلامية) للأستاذ هيثم زعفان نقلا عن (مقدمة في علم المصطلح) للدكتور علي القاسمي.
وعودا على بدء، فإنه لا ينبغي أن يكون مقصد التسامح هو الكف عن تخطئة الآخر، فوراء هذا كله أسلوب في التعايش الاجتماعي المثمر، والتسامح الإيجابي تسامح تصحيح ونقد، وتعاون عمارة وبناء، والتسامح السلبي تسامح تنازل واستعطاف، ونفاق مداهنة وكذب..!
فصار التسامح عند مدعيه مجرد مهادنة ولامبلاة بالآخر للحاجة فقط..!
وأستحضر هنا ما رواه الخلال في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ص58/رقم 65/العلمية): (عمر بن صالح، بطرسوس قال: قال لي أبو عبد الله: يا أبا حفص يأتي على الناس زمان يكون المؤمن فيه بينهم مثل الجيفة، ويكون المنافق يشار إليه بالأصابع، فقلت: يا أبا عبد الله، وكيف يشار إلى المنافق بالأصابع؟ فقال: يا أبا حفص، صيروا أمر الله فضولا. وقال: المؤمن إذا رأى أمرا بالمعروف أو نهيا عن المنكر لم يصبر حتى يأمر وينهي، يعني قالوا: هذا فضول، قال: والمنافق كل شيء يراه، قال: بيده على فمه، فقالوا: نعم الرجل، ليس بينه وبين الفضول عمل).
فإن كان التسامح عند بعض الظلمة من المخالفين للدعوة السلفية من أهل الأهواء والعلمانيين والصوفيين هو عدم إنكار المنكر؛ فهم المعنيون في كلام الإمام أحمد؛ ونفاقهم نفاق اجتماعي لا عقدي بطبيعة الحال.. غالبا ينافقون الناس ويداهنون مميعين المبادئ ومتنازلين عن ثوابت الدين تعايشا زعما وتسامحا مكرا..!