المقاومة السنية العلمية للفلسفة اليونانية -خلال العصر الإسلامي-

ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني، أن المتفلسف أحمد بن سهل البلخي (ت 322 هـ) كان يزدري علماء الشريعة، ويطعن في أحاديث صحيحة، منها حديث: (إن لله تسعا و تسعين اسما)، وكان المتفلسف الفخر إسماعيل غلام بن المني البغدادي (ت 610 هـ)، ينتقد علماء الحديث في زمانه، ويطعن فيهم، ويقول عنهم: (هم جُهال لا يعرفون العلوم العقلية، ولا معاني الحديث الحقيقية، بل هم مع اللفظ الظاهر).
وقوله هذا لا يصدق على كل المحدثين، وإنما يصدق على بعضهم الذين طلبوا علم الحديث رواية لا دراية، وهم الذين قال عنهم ابن تيمية: إن الخلل دخل عليهم من عدم صحة النقل، والخطأ في الفهم، حتى أن فيهم من يقول -أحيانا- القولين المتناقضين، ويتأول تأويلات غير صحيحة، يكفّر بها أناسا من الأعيان، ثم ذكر -أي ابن تيمية- أنه رأى من بعضهم عجائب لم يورد أمثلة منها.
لكن لا يغيب عنا أن هذا الخلل يوجد في كل أدعياء العلم من مختلف طوائف العلماء، ولا يخص المحدثين وحدهم. وأما اتهامه -أي غلام بن المني- للمحدثين بالجهل لأنهم لا يعرفون العلوم العقلية، فهو اتهام باطل، فليس الفهم والعلم متوقفين بالضرورة على معرفة تلك العلوم؛ فقد أبدع علماء الإسلام الأوائل في الفقه وأصوله، والقرآن وعلومه، والحديث ومصطلحه، واللغة وآدابها، ولم يكونوا في حاجة إلى علم الكلام، ولا إلى الفلسفة وما يتصل بها.
وواضح مما ذكرناه أن إظهار السنيين إهمال الفلاسفة المسلمين لعلوم الشريعة؛ هو وسيلة فعالة لمقاومتهم، وإظهارهم أمام المسلمين بأنهم يزدرون علوم الشريعة، وإيمانهم بها ضعيف، ويحتقرون أهلها، ويفضلون عليها علوم الأوائل، لكن ذلك لا يعني أن كلهم كانوا ضعفاء في علوم الشريعة، فقد وُجد فيهم من كان بارعا في الفقه مع غرامه الشديد بالفلسفة اليونانية وسلبيته تجاهها، كابن رشد الحفيد (ت595هجرية) صاحب بداية المجتهد ونهاية المقتصد.

خامسا: تأليف الكتب للرد على الفلاسفة والتحذير من مؤلفاتهم
صنف علماء أهل السنة ومتكلموهم كتبا في الرد على الفلسفة اليونانية ورجالها، وحذّروا المسلمين من الإطلاع على كتبها، وحثوهم على نبذها.
فبخصوص العلماء السنيين الذين ردوا على الفلسفة وأهلها، فمنهم: المتكلم أبو الحسن الأشعري البصري ثم البغدادي ( ت334 هـ)، له مصنفات في الرد على الفلاسفة، منها: الرد على الفلاسفة، والرد على الدهريين، والرد على المنجمين، والثاني هو أبو بكر الباقلاني البغدادي (ت 404هـ)، له كتاب الدقائق، ردّ فيه على الفلاسفة والمنجمين، ورجّح فيه منطق المتكلمين على منطق اليونان.
وثالثهم حجة الإسلام أبو حامد الغزالي (ت 505 هـ)، أشهر مصنفاته في نقد الفلسفة والرد على رجالها، كتابه: تهافت الفلاسفة، قال عنه الحافظ الذهبي: كشف فيه (عوارهم، ووافقهم في مواضع، ظنا منه أن ذلك حق، أو موافق للملة، ولم يكن له علم بالآثار، ولا خبرة بالسنن النبوية القاضية على العقل)، وكتابه هذا هو الذي رد عليه ابن رشد الحفيد في كتابه: تهافت التهافت، لكن معظم ما ردّ به على الغزالي كان ردا خاطئا، الصواب فيه مع الغزالي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *