نقد فكر الفيلسوف ابن رشد الحفيد نقد موقف ابن رشد في موضوع وجود الله وصفاته وخلقه للعالم

ثالثا: نقد موقف ابن رشد من خلق العالم وأزليته:
ثانيا إن استشهاده بالنصوص الشرعية كان انتقائيا، فأخذ ما وافقه وأوّله تأويلا تحريفيا، وأغفل قسما آخر كأنه غير موجود تماما؛ وهذا ليس من الحياد والنزاهة العلمية في شيء، فكان من الواجب عليه أن يجمع كل النصوص ويُرجع الفروع إلى الأصول، والمتشابه إلى المحكم، فيفهما وفق الفهم الصحيح للشرع انطلاقا من الكتاب والسنة، ومنهج السلف الصالح، والعقل الصريح والعلم الصحيح، فالآيات التي ذكرها على طريقته التأويلية التحريفية، كان عليه أن يردها إلى آيات أخرى أعم منها ويفهمها من خلالها، ووفق تفاصيل خلق العالم التي ذكرتها النصوص الشرعية الأخرى، التي نصت على أن الله تعالى فعّال لما يرد، وعلى كل شيء قدير، وخلاق عظيم، وأنه خالق كل شيء، كقوله تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) سورة الفرقان: 2.
وهو في تحريفه للنصوص الشرعية كان مُغالطا أيضا، لأن الشرع نص صراحة مرارا وتكرارا على أن العالم خلقه الله تعالى بعد أن لم يكن، فهو مخلوق له بداية وله نهاية لا محالة، وهذا يتناقض تماما مع ما يعتقد ابن رشد وأصحابه من أن العالم أزلي خالد لا بداية له ولا نهاية، وعليه فهو مُغالط، ولا ينفعه إذا كان العالم خُلق من شيء سابق أو من لا شيء، لأن في الحالين أن العالم مخلوق له بداية وله نهاية، وهذا لا يقول به ابن رشد وأصحابه، فلماذا هذا التحريف والتغليط، والتلاعب بالنصوص؟!
وثالثا إن قوله بأن الحدوث الذي صرّح به الشرع هو من نوع الحدوث المُشاهد على الأرض، فهو ليس صحيحا على إطلاقه، لأن الله تعالى أخبرنا أنه يخلق من شيء ومن لا شيء، كقوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) سورة يس: 82، وهذا أمر سبق أن بيّناه، كما أن استشهاده بقوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) سورة الأنبياء: 30، و(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) سورة فصلت: 11، فهو استشهاد في غير محله، لأن هذه الآيات وصفت مرحلة مر بها خلق العالم، ولا علاقة لها بالمادة التي خُلقت منها، أهي من شيء، أو من لا شيء، ولا علاقة لها أيضا بالمخلوقات التي كانت قبلها، كالعرش والماء، فلكل مخلوق مادته وزمانه ومكانه، وهو مخلوق لله تعالى، يخلقه متى أراد ومما أراد، من شيء ومن غير شيء، فهو سبحانه فعّال لما يريد، وعلى كل شيء قدير.
وأما قوله بأن الله خلق العالم في زمان ومادة، لأنه لا يُعرف في الشاهد مُكوّن إلا بهذه الصفة، والله تعالى قد أخبر عن حاله قبل خلقه للعالم، في قوله: (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء) سورة هود: 7، و(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ) سورة فصلت: 11 ، فإن احتجاجه هذا لا يدل على ما ذهب إليه، لأن خلق العالم لا علاقة له بالمخلوقات التي كانت قبله، ولا في ذلك إشارة إلى المادة التي خُلق منها العالم، وأما مسألة الزمان فهي ليست مشكلة في الشرع أصلا، لأنه لما خلق الله العالم ظهر المكان والحركة، والزمان والمادة، وإنما الزمان مُشكلة عند ابن رشد وأصحابه المشائين القائلين بأزلية العالم و الحركة، وأما الزمان الذي كان قائما قبل خلق الله للعالم، والمتعلق بالمخلوقات الأخرى، فهو زمان خاص بها، ولا دخل له بزمان عالمنا، لأن الزمان نسبي، والله تعالى لا يحده زمان ولا مكان، وهو خالق كل شيء، وفعال لما يريد.
وأما تأكيده على أن السماء أزلية دائمة، لا مبدأ لها ولا نهاية، فهو كلام باطل، ولا يصح شرعا ولا عقلا ولا علما، لأنه حكم على شيء غائب عنه نشأة ومصيرا، ولم تكن بين يديه معطيات صحيحة علمية، ولا عقلية، ولا شرعية تُمكّنه من إصدار ذلك الحكم القاطع بأن العالم أزلي أبدي، وإنما العكس هو الصحيح، فقد كانت أمامه نصوص شرعية كثيرة وواضحة، نصت صراحة على بطلان ما ادعاه، والتي أكدت على أن العالم مخلوق وأنه سينتهي لا محالة، كقوله تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) سورة الفرقان: 2، و(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) سورة الرحمن:26 – 27، و(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ) سورة التكوير: 1-2، و(إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ) سورة الانفطار: 1، و(يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) سورة إبراهيم: 48، فلماذا أغفل هذه النصوص؟، وهو قد ذكر بعض الآيات التي تدل على خلق السموات والأرض في كتابه الكشف عن مناهج الأدلة، لكنه ناقض نفسه عندما قرر عكس ذلك تماما وصراحة في كتابه تلخيص السماء والعالم، الذي أكد فيه على أزلية العالم وأبديته، وجعل الشرع وراء ظهره، وخالفه صراحة، في أمر معروف من دين الإسلام بالضرورة! فلماذا هذا التدليس والتغليط، والازدواجية في الخطاب؟!
ورابعا إنه كما أن زَعْمَ ابن رشد بأزلية العالم وأبديته لم يصح شرعا، فإنه لم يصح علما أيضا بدليل الشواهد الآتية: أولها إن العلم الحديث أثبت أن العالم ليس أزليا، وله بداية قُدرت ب: 13 مليار سنة، وأنه ستكون له نهاية حتمية، وثانيها إن ابن رشد كان قد زعم أن العالم العلوي أزلي لا يفسد ولا يتحلل في الجسم ولا في الحركة، وهذا زعم باطل، لأن الأبحاث العلمية الحديثة أثبتت أن العالم يسير إلى الانهيار والفناء، وأن الشمس – مثلا- في طريقها إلى الزوال بسبب ما تفقده من طاقتها تدريجيا، وأن النجوم في حالة ميلاد وفناء من القديم إلى يومنا هذا، ولها آجال مُحددة تُولد فيها وتموت كالآدميين، وتبين من الحسابات العلمية أن الأرض عند تكوّنها كان يومها يُساوي 4 ساعات، وهو اليوم يُساوي 24 ساعة، بسبب تباطؤ سرعتها المحورية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *