نجد أنفسنا مضطرين لفتح ملف الإجهاض من جديد خاصة بعد وصول النقاش بخصوصه إلى مستويات ومراحل تنذر بالخطر.
النقاش عن الإجهاض بدأ محتشما قبل مدة لا تصل لخمس سنوات، حيث وصف الناطق الرسمي لحزب الأصالة والمعاصرة صلاح الوديع في وقت سابق استصدار قانون منظم للظاهرة بأنه “ضروري لمواكبة التحولات الاجتماعية التي يعرفها المغرب والتغير النوعي للنظام السكاني والمسلكيات الاجتماعية”، زميلته في الحزب فتيحة العيادي اعتبرت أن مغرب 2009 ليس هو نفسه مغرب 1967 الذي جرى فيه آخر تعديل لقانون الإجهاض، فهناك تحولات جذرية نلمسها. في تصريح لها لإحدى الأسبوعيات.
وأعربت إحدى المنضويات تحت لواء حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية دون حياء أن “الكنيسة والدين بصفة عامة هما من يقف دائما في وجه الإجهاض.. فالأئمة والرموز الدينية هم من يخطبون ضد الإجهاض في شتى المناسبات”!!!
وكانت الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري التي يرأسها شفيق الشرايبي، عقدت مؤتمرا لتقنين الإجهاض بتاريخ 28 و29 ماي 2010، وهي الآن بعد سنتين تعقد مؤتمرها الثاني الذي خصصته للتدارس حول الموضوع بتاريخ 12 يونيو 2012.
وبين المؤتمر الأول لجمعية الشرايبي والمؤتمر الثاني تصاعدت الأصوات المطالبة باستصدار قانون ينظم عملية الإجهاض، فقد تقدمت نزهة الصقلي وزيرة التنمية الاجتماعية والتضامن والأسرة سابقا في أكتوبر 2011 بمشروع قانون حول الإجهاض يسمح للنساء اللواتي يعانين “وضعية صعبة” التخلص من حملهن.
وعبر وزير الصحة الحسين الوردي في 12 فبراير 2012، في برنامج تلفزيوني عن تأييده لتقنين الإجهاض.
توالي الخرجات من أشخاص ينتمون لنفس الوسط المهني (الشرايبي طبيب، الصقلي صيدلانية، الوردي طبيب) أو نفس الوسط الأيديولوجي أو الحزبي (الصقلي والوردي كلاهما من حزب التقدم والاشتراكية) يطرح علامات استفهام كبيرة.
توالي الخرجات أيضا جعل النيويورك تايمز في عددها 11 يناير 2012، تدخل على الخط لتهيئ الأجواء بادعائها أن المغرب قد يسمح بالإجهاض، الأمر الذي يطرح علامات استفهام أكبر من الأولى.
إن الطرح العلماني السطحي الداعي لمعالجة الآثار والنتائج دون الالتفات إلى الأسباب الحقيقية للظاهرة، دليل على سوء النية أو في أحسن الحالات قصور الفهم، فعوض التركيز على معالجة المشاكل من جذورها والبحث في أسبابها ودوافعها، وتوعية الشعب وتحصينه من آفات الانحراف والشذوذ، وتحذيره من مغبة الركض وراء الشهوات والرغبات والملذات، يتم التعرض للنتائج والآثار المترتبة عن هذا الانحراف.
وهو توجه مكشوف؛ يركب على موجة التغير الاجتماعي لتبديل القوانين حتى وإن خالفت الدين جملة وتفصيلا. وبما أن السيف قد سبق العذل كما يقال، وأثير هذا النقاش المفتعل، فقد تعينت معالجته وعدم تجاهله، خاصة وأن الأمر دعوة لتقنين القتل، مع استحضار تعريف العلماء للإجهاض بقولهم هو: “إسقاط حمل المرأة بعد استقراره في رحمها سواء قبل التخلق أو بعده”، ومنع الشرع من إسقاط الحمل سواء لظروف اقصادية أو اجتماعية أو نحوها، ولم يرخص في ذلك إلا إذا كان الحمل يهدد حياة المرأة ، وهو ما نص عليه القانون المغربي أيضا في هذا المجال.
إلا أن الطرح الشرعي يبقى في واد؛ ومطالب الحركة النسوية والعلمانيين عموما في واد آخر، فالخط الذي يسير عليه العلمانيون مناقض لأبسط مبادئ الإنسانية التي يدَّعون حمايتها ومنها الحق في الحياة، فبأي منطق يسمح الإنسان تحت شعار الحرية الجنسية بحرية قتل روح إنسان يتمتع بالحقوق كما يتمتع بها غيره؟
وفي اتصال مع الدكتورة فضلي أستاذة مبرزة واختصاصية في أمراض الولادة؛ ورئيسة الجمعية المغربية للدفاع عن الحق في الحياة؛ عبرت لنا عن مفارقة غريبة لدعاة تقنين القتل، التي تورطت فيها جهتان: الأولى هي الأطباء التي مهمتها الحفاظ على الحياة، والثانية فئة من الحقوقيين التي تدافع عن الحق في الحياة، فأصبح أكثر الناس ارتباطا بالحياة يدافعون عن القتل، وأضافت أن ذلك لا يمكن فهمه إلا في ظل الآية الكريمة “أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا”.
خطورة الطرح وعزم أصحابه على التقدم بمقترح للبرلمان من أجل توسيع دائرة الإجهاض وإخراجها للعلن من أجل توفير الحماية القانونية للمسترزقين بحياة وأرواح البشر، وحماية القتلة المأجورين بنص قانوني، اضطرنا لفتح الملف ودق ناقوس الخطر.
مصطفى محمد الحسناوي