أحكام المغتصبة على ضوء الكتاب والسنة من إعداد: الدكتور محمد أبوعام خطيب مسجد الخير -المحمدية-

قال الله عز وجل: (وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ)1 . دلت الآية على أن الإكراه عذر للمكرهة على الزنا فأزال ذلك عنها الإثم وعقوبة، ويعضد معنى الآية ما جاء في الأثر أن امرأة خرجت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تريد الصلاة فتلقاها رجل فاستكرهها؛ فلما علم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: “اذهبي فقد غفر الله لك”2 ، وما جاء في الأثر كذلك أن امرأة قد أجهدها العطش فمرت على راع فاستسقت منه فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها، ففعلت فتشاور عمر رضي الله عنه مع الناس في رجمها فقال علي رضي الله عنه: “هذه 3مضطرة أرى أن تخلي سبيلها ففعل” .
أضف إلى ذلك أن الإكراه قهر يسلب الإرادة والقدرة على التصرف؛ فاقتضى هذا رفع التكليف عن المكره كحال الجنون والصغر والنوم، ولو لم يرفع هذا التكليف لكان الأمر حمل غير القادر على مالا يقدر عليه؛ وهذا مما يتنافى مع العقل وطبائع الأمور.
وعلى أصلي الكتاب والسنة ذهب عامة الفقهاء إلى عدم عقاب المكرهة على الزنا. ففي مذهب الأحناف لا حد عليها لأنها بالإكراه صارت محمولة على التمكين خوفا من المضرة فيمنع وجوب الحد عليها لأنه لا إثم عليها4 ، وفي مذهب المالكية لا عقوبة على المغتصبة فإذا ظهر عليها حمل وقالت أنها اغتصبت أو استكرهت فينبغي أن تظهر أمارة على ذلك كما لو شوهد منها استغاثة أو صياح أو ما أشبه ذلك مما يعلم معه في الظاهر صدقها5 . وذهب الشافعية إلى أنه لا عقوبة على المكرهة على الزنا بل على من أكرهها، فلو اضطرت امرأة لطعام -مثلا- وكان ذلك عند من لم يسمح لها إلا به حيث مكنته من نفسها أو مكنته لدفع الهلاك عن نفسها فلا حد عليها وإن لم يجز لها ذلك لأنه كالإكراه وهو لا يبيح ذلك وإنما يسقط عنها الحد
7للشبهة6 . وعند الإمام أحمد لا عقوبة على المكرهة ولا فرق بين الإكراه بالإلجاء وهو أن يغلبها على نفسها وبين الإكراه بالتهديد بالقتل ونحوه .
أما فيما يخص وليد أو حمل المغتصبة فالنسب يثبت بأحد الأسباب الثلاثة:
* السبب الأول: الوطء في نكاح صحيح لقوله صلى الله عليه وسلم: “الولد للفراش”. ويشترط في حصول هذا النكاح ولادة الوليد بعد ستة أشهر من النكاح لقوله تعالى: (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا)، فاقتضى ذلك ستة أشهر حملا وأربعة وعشرون شهرا فصالا. ويشترط في حصول هذا النكاح إمكانية وجود الزوج مع زوجته فعلا بعد العقد فلو حصل العقد وهما بعيدين عن بعضهما كما لو كان هو في بلد وهي في بلد آخر بطل هذا النكاح لفقد الشرط، وذلك على خلاف ما يراه الحنفية من إمكان ذلك عقلا لا فعلا. كما يشترط في حصول هذا النكاح تصور الحمل من الزوج في العادة فلو كان الزوج صغيرا بطل هذا النكاح لفقد الشرط.
* السبب الثاني: ثبوت النسب في النكاح الفاسد ويشترط فيه مثل ما يشترط في النكاح الصحيح من تحقيق المدة وإمكان وجود الزوج مع الزوجة وتصور الحمل من الزوج.
* السبب الثالث: ثبوت النسب في حالة الوطئ بشبهة ويشترط فيه تحقق مدة الحمل وأكثرها.
وينبني على هذا أن أي اتصال بين الرجل والمرأة خلاف هذه الأسباب يعد اتصالا غير شرعي ولا يثبت للوليد نسب لأن النسب لا يكون إلا نتيجة للنكاح الشرعي فحسب، وعلى هذا فإن وليد المغتصبة يعد وليدا غير شرعي له كل الحقوق التي للولد الشرعي ما عدى النسب.

——–
1- النور:33.
2- سنن الترمذي، كتاب الحدود – باب ما جاء في المرأة إذا استكرهت على الزنا-.
3- الاستذكار لابن عبد البر- كتاب الحدود، باب ما جاء في المغتصبة- 24/111-112
4- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاسائي 7/181.
5- المدونة الكبرى للإمام مالك برواية الإمام سحنون مع مقدمات ابن رشد 4/509، و شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك 4/15.
6- المغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للشربيني الخطيب4/145.
7- المغني لابن قدامة 12/347-348.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *