لطالما فكرت في الكتابة عن هذا الموضوع منذ سنوات، وبعد أن استقر الرأي على الحديث عنه في مقال مقتضب، إذا بالحدث الصدمة يدفعني بقوة للكتابة عن القضية التي لم تعد تحتمل أكثر ما هي عليه، ونحن نقرأ عن تدنيس زمرة من ساقطات (حسناوات) بلجيكا لبيت من بيوت له رمزية كبيرة في نفوس المغاربة، ألا وهو مسجد الحسن الثاني.
وقبل هذا الحدث العار كان حدث تسجيل فيدو غنائي لفتانة يقال لها أمل حجازي، هذا الأخير الذي ظهر أنه فتح بابا لا أظنه يغلق في بلد استولى عليه زمرة من الفاسدين، اتخذوا مواقع لهم بمفاصل الدولة يتخذون قرارات صادمة وضدا على اختيارات الشعب المسلم وضدا على دينه وقيمه وأعرافه.
ولا أدل على هذا من تبرئ وزارة الاتصال من الترخيص لهذا الفعل الوقح، وتنصل وزراة الأوقاف وهي في مثل هذا دائما خارج التغطية، ليتحمل المسؤولية المركز السينمائي وهو غني عن كل تعريف، منهجه ظاهر مكشوف لمن يعرف من يسيره، ومن خلال ما ينتجه من أفلام ومسلسلات وأعمال فنية غاية في الوقاحة والإفساد، فلا غرابة أن يقع ما وقع وما يقع وما سيقع لا قدر الله.
إن تدنيس مسجد الحسن الثاني مرتين، من طرف جهات خارجية وبترخيص من جهات داخلية جزء من مسلسل، وعنوان على انعدام تعظيم حرمات الله في نفوس كثير منا، لأن هذه الجرأة التي تعامل بها هؤلاء مع مقدساتنا لم يحملهم عليها إلا تواري المجتمع المسلم عن حمايتها، بل وجرأته هو رغم إسلامه على انتهاك حرمات بيوت الله في مظاهر كثيرة، فهو عينه هذا المسجد الذي صار مباركا تملؤ جنباته بالمصلين منذ أن حل بمحرابه صاحب الصوت العذب عمر القزابري بعد سنوات من الهجران، يتعرض لألوان من التدنيس والاحتقار من طرف زمرة من فاقدي الكرامة وعديمي الإحساس بمكانة بيوت الله عند الله عز وجل عند المومنين، فأضحى قبلة لطالبي الشهوة والعشق والغرام، وما يصحب ذلك من ممارسات يعف القلم عن ذكرها ولا سيما بعد سقوط الظلام، إضافة إلى مظاهر العري التي تؤثث المكان، أبهذا تصان بيوت الله عن العبث؟ أبهذا تعظم شعائر الله؟ وتعظيمها علامة على تشبع القلب بالتقوى والإيمان؛ قال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}.
ليس مسجد الحسن الثاني الذي يتعرض للإهانة؛ وإنما أكثر مساجد المملكة، ولا سيما الأثرية التاريخية منها، وأما حديثة البناء أو الخاضعة للإصلاح فلا أعلم السر في إحاطتها بكراسي وحدائق وأماكن للجلوس تملؤها نساء، وفتيات وشبان في أوضاع مخلة بالحياء والوقار والاحترام، لا تكاد تدخل باب المسجد حتى يتلوث نظرك -طوعا أو كرها- بهذه المشاهد التي ربما تجدها عند الباب مباشرة، أو تجد حزام المسجد مملوء عن آخره بنساء في وضعيات مشينة ليس لهن شغل إلا القيل والقال، فلا تستطيع أن تجد منفذا إلى المسجد إلا بشق الأنفس، ناهيكم عن سكارى وأصحاب مخدرات ومراهقين ومراهقات يتبادلون العناق والقبل في وقت صوت الإمام يدق طبلات آذانهم؛ ولكن هيهات هيهات فقد أصيبوا بصمم.
إن إعداد الحدائق بمحيط بيوت الله بشكل يوحى أنها خطة شيطانية في الصد عن الله ونزع القداسة عن بيوت الله، وأتمنى أن يكون تخمينا خاطئا، فإما أن تخضع للتتبع والرقابة حفاظا على قدسية المكان وجواره، وإما تترك بيوت الله بعيدة عن هذه الأمور التي تحز في النفس وتدمي القلب، وتدل على فقدان هيبة هذه الأمكنة التي هي أفضل بقاع الأرض في نفوس كثير من المغاربة. فتستوي هي والخمارات والعلب الليلة وفضاءات المجون، وما أظن هذا إلا مقصودا.
كنت أتمنى أن تسير دورات أمنية للحرص على نقاء محيط المسجد، لكن لما رأيت صورة الشرطي الذي ترك مهمته وجاء ليلتقط صورة مع أولئك الوقحات قلت في نفسي حاميها حراميها، ولكن شرفاء البلد أولى بهذه المهمة ومنهم الكثير، ولتتحمل الوزارة الوصية التي لم نعد نعرف دورها بالضبط مسؤوليتها من خلال مديرية المساجد، فهي حريصة على تنقيتها من السنن، وتركت البدع والمنكرات تغمره من الداخل والخارج، ولتنه مهزلة بعض الأئمة الذين لا خلاق لهم، أو ليسوا أهلا للإمامة أو الدعوة ما داموا لم يؤدوا مهمة الإصلاح داخل بيوتهم فكيف سيكتب لهم القبول عند غيرهم، والله يقول في شأن الدعاة الصادقين {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} فصلاح النفس والأهل قبل أن تكون إماما لغيرك، ولا يمكن أن تصلح المساجد ما لم يصلح القائمون عليها.
أنهيت المقال فجاء الخبر أن العاهرات قد دنسن مسجد “أهل فاس”، إنها إهانة مقصودة واستفزاز مكشوف متواطأ عليه، ولكن لا غرابة في ذلك إذا كان منا من الرجال والنساء من يفعل ذلك، وهذا من قبيل: إذا رأيت رب البيت للطبل ضاربا… فلا تلومن الصبية عند الرقص. نحن الضاربون للطبل، وهن الصبية الراقصات.