الله، الله! ذكر؟ أم هو إهدار للجهد والوقت؟ الدكتور: محمد وراضي  

لا نريد إزعاج الطرقيين بسؤالين، نعلم مسبقا بأنهم لا يملكون الجرأة اللازمة للإجابة عليهما! لا لأن ألسنتهم غير سليطة وغير صخابة! وإنما لأن سلاطتهم -أي طول لسانهم ومكابرتهم وعنادهم- لا تفرض نفسها إلا في مناسبتين اثنتين: متى اجتمعوا في أوكارهم لأداء الذكر الجماعي من خلال مسمى “العمارة” أو “الحضرة” -ولنا عن هذه مآخذ-، ومتى أطلق أحدهم لسانه من وراء المذياع؛ أو من وراء قناة مغربية أرضية أو فضائية لكيل أرطال من التزلف والإشادة والتنويه والإطراء لمشايخ الطرق وأرباب الأوراد من أولياء الله الصالحين المزعومين! لأن هذا الذي يطلق لسانه بما يبدو له أنه على بينة من صحته! يحظى بدعم مادي رسمي تحت لواء ما بات معروفا بتدبير الشأن الديني! خاصة وأن لسان الرسميين لا يكف عن اللهج بالدفاع المستميت عن المذهب المالكي، وعقيدة الأشعري وطريقة الجنيد؟

ولا شك عندنا الآن أن الطرقيين ينتظرون الإجابة التي يجهلونها جملة وتفصيلا! وقد يتجاهلها بعضهم فيصر على الإنكار لأن في استمراره كنعصر من عناصر الدائرة الصوفية الضيقة، يحقق له ما لن يتحقق له، إن هو استجاب لنداء الله ولنداء الرسول صلى الله عليه وسلم. خاصة وأنهما -كما ورد في الذكر الحكيم- دعوة إلى ما يحيي النفوس المتعبة! مصداقا لقوله تعالى: ” يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ”!

لننطلق إذن للإجابة على السؤالين (عنوان المقال) من سؤالين آخرين يسهل على الأطفال المتعلمين الإجابة عنهما بما يكفي من الوضوح. سؤالان نوجههما كذلك إلى حكامنا من وزراء ومدراء الدواوين وكتاب الدولة والعمال والقضاة، والعلماء الرسميين والشعبيين، والباشوات والقواد. وخلفاء هؤلاء! وحتى إلى الشيوخ والمقدمين: ما الأفضل في الدين: قول الرسول وفعله وتقريره؟ أم قول وفعل وتقرير غيره فيه؟

لن نجيب، ولا نطلب من الطرقيين الإجابة.. ولن نطلبها ممن أشرنا إلى مراكزهم السلطوية والإدارية. ولن نذكر رئيس الوزراء بالاسم ولا وزير الأوقاف، ولا وزير الاتصال المشرف على إذاعة المقامات الصوفية، وأحاديث دينية أخرى لخدمة نفس الأهداف السياسية، أو لتحقيق نفس الغايات السلطوية بعبارة مغايرة!!!

إنما نصغي إلى ما ورد في كتاب “نقد العلم والعلماء” أو”تلبيس إبليس” للإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (508-596هـ) إذ يقول: سأل شاب أبا بكر دلف بن جحدر الشبلي (247-334هـ): “لم تقول: الله. ولا تقول: لا إله إلا الله؟ فقال الشبلي: أستحيي أن أوجه إثباتا بعد نفي! فقال الشاب: أريد حجة أقوى من هذه! فقال: أخشى أن أوخذ في كلمة الجحود ولا أصل إلى كلمة الإقرار“!

فيكون من حق ابن الجوزي -كمنتصر للسنة، وكخصم لدود للمبتدعة- أن يعلق على هراء الشبلي فيقول: “انظر إلى هذا العلم الدقيق (= علم صوفي مبتدع) فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بقول: لا إله إلا الله. ويحث عليها. وفي الصحيحين عنه أنه كان يقول في دبر كل صلاة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وكان يقول إذا قام لصلاة الليل: لا إله إلا أنت. وذكر الثواب العظيم لمن يقول: لا إله إلا الله -ولم يذكر الثواب العظيم لمن يقول: الله الله-، فانظر إلى هذا التعاطي على الشريعة، واختيار ما لم يختره رسول الله صلى الله عليه وسلم”!!!

وعند مسلم في “كتاب الجنائز” من صحيحه نجد “باب تلقين الموتى: لا إله إلا الله”. حيث روى عن أبي سعيد الخدري هذا الحديث الذي يكاد يبلغ حد التواتر. وهو قوله صلى الله عليه وسلم: “لقنوا موتاكم لا إله إلا الله”! كما رواه عن أبي هريرة بنفس الصيغة.

فيكون جليا لكل ذي عقل على وعي تام بما يفيده كون الرسول أسوة حسنة لكل مؤمن ولكل مؤمنة، وبما يفيده وجوب طاعته باتباع سنته، أنه لا يباح لأي منا كمسلمين اختيار ما نلقنه لموتانا عند الاحتضار، واختيار ما نقبله أو نرفضه من أوامره ومن نواهيه صلى الله عليه وسلم.

ثم نتساءل: لماذا لم ينبهنا -والفطنة من ضمن صفاته الواجبة- إلى الخطر الذي يمثله تلقين كلمة الإخلاص لمحتضرين؟ أو لا يخشى أن يؤخذ أحدهم في كلمة الجحود قبل أن يصل إلى كلمة الإقرار؟ يعني أن يقول “لا إله” ثم يتوفاه الله. وفي تلك الحالة يكون قد توفي على الكفر باعتراف منه؟ أم إنه عليه الصلاة والسلام قد زودنا بما نواجه به بدع المبتدعين وزوائد المدعين؟ أو ليس هو القائل: “إنما الأعمال بالنيات”؟ فضلا عن قوله عز وجل: “يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ”؟ وحتى لو قال ملايين المؤمنين المخلصين عند احتضارهم “لا إله” في محاولة للإفصاح عن كلمة الإخلاص كاملة، لما عدَّ أي واحد منهم كافرا لأجل تلك المحاولة، فصح كما تقدم أن قول الرسول وفعله وتقريره في الدين، أفضل من قول وفعل وتقرير غيره فيه كما يعرف الصبيان والعجزة من نساء ورجال! وأنوف الطرقيين! وأنوف المروجين لضلالاتهم راغمة!!!

ونكتة أخرى غير نقلية وإنما هي عقلية تقول: إن سألنا طفلا متعلما عن معنى الجملة، فإننا لا نتوقع منه الإجابة بكونها فعلا أو حرفا أو مجرد اسم من الأسماء! وإنما يخبرنا بكونها كلاما مركبا مفيدا بالوضع. فعنده أن “قال” ليس جملة مفيدة! وأن “لم” الجازمة للفعل ليست كذلك! مثلها مثل “زيد” و”سعيد” و”عمر” و”الله” في حد ذاته. مما يعني أن تكرار اسم “سعيد” لآلاف المرات، كلام لا معنى له. وكذلك تكرار “الله الله” لملايين المرات، لأن ذكر اسم من الأسماء لدى النحاة مبتدأ، والسامع حينما يسمعه ينتظر الخبر! فعندما أقول لأحدهم سعيد، لا يفهم من كلامي غير نطقي باسم محدد. لكنه سوف يقول لي إن عرفه باللغة الدارجة “ما لو”؟

وحتى نفند أكثر مزاعم الطرقيين المتصلة بتكرار لفظ الجلالة “الله الله” كذكر، نحيلهم على كتاب “الوصايا” لأكبر صوفي مغربي أندلسي، هو ابن عربي الحاتمي، المعروف لدى جمهور المتصوفة بـ”الكبريت الأحمر” وبـ”الشيخ الأكبر”!

قال في الوصية الخامسة: “تابر على كلمة الإخلاص، وهي قولك: لا إله إلا الله، فإنها أفضل الأذكار بما تحوي عليه من زيادة علم. وقال صلى الله عليه وسلم: “أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله”، فهي كلمة جمعت بين النفي والإثبات، والقسمة منحصرة، فلا يعرف ما تحوي عليه هذه الكلمة إلا من عرف وزنها وما تزن. كما ورد في الخبر الذي نذكره في الدلالة عليها…

وأضاف مستنكرا التعبد بلفظ الجلالة “الله” وبضمير الغائب “هو” للدلالة عليه، كما يفعل الطرقيون عندنا من درقاويين وبودشيشيين وكتانيين. فقال: ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم (عندما) قال: “أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله”. قد قال ما أشارت إلى فضله من ادعى الخصوص من الذكر بكلمة الله الله، أو هو هو. ولا شك أنه من جملة الأقوال التي “لا إله إلا الله” أفضل منها عند العلماء بالله”.

وبما أن الطرقيين لا يعدون من العلماء بالله، فإنهم استدركوا على الرسول صلى الله عليه وسلم، بحيث إنهم تجاوزوا حد التقصير في التعبد بأفضل عبارة وردت على لسان جميع الرسل والأنبياء قبله، فكان أن اختاروا كلمتين مبتدعتين، للتقرب بتكرارهما إلى الله عز وجل كما يدعون… معتمدين فيما ألزموا أنفسهم التعبد به على الهوى والاستحسان! ويرحم الله الإمام محمد بن إدريس الشافعي الذي قال بحق: “من استحسن فقد شرع”!

هكذا نصل إلى أن التعبد بكلمة الإخلاص “الله، الله” التي يجري تكرارها على لسان الطرقيين المبتدعين لمئات المرات، مجرد إهدار للجهد المبذول! وفي الوقت ذاته إهدار للوقت! وإهدار لهما لا يتوقع من وراءه الحصول على رضا الرحمن بأي وجه من الوجوه! وإنما يتوقع الحصول من ورائه على خيبة أمل مرفوقة بذنب يطال المخالفين لسنة نبي الهدى والرحمة صلى الله عليه وسلم!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *