مرحلة الضياع المدرسي لدى الأطفال الدكتور محمد أبوعام أستاذ مادة التربية الاسلامية

يمر الطفل بمراحل متعددة ونزوات مختلفة يضيع أثناءها فلا يركز اختياره وتهتز الصور أمامه فلا يكاد يرى ما يهديه إلى الطريق السوي، ويزيد من تعقيد مرحلة الاختيار هذه ما يجده من والديه من عدم مبالاة أو أدنى اهتمام لتوجيهه ونصحه.
فالطفل عندما ينهي مرحلة الدراسة الابتدائية ويدخل في المرحلة الإعدادية يبدأ في الانفتاح الاجتماعي ويشعر بشيء من الزهو وبأنه بلغ مبلغا كبيرا من الاعتداد بالنفس ويفكر في أن حماية وتوجيه أسرته تنتهي عند هذا الحد، فيرى أنه رجل سوي يستطيع بمفرده حل جميع المعضلات التي تواجهه.
وموقف الآباء من هذه المرحلة إما تفريط أو إفراط، فتفريط بأن يهملوا التربية ويتركوا الحبل على الغارب.. أو إفراط بأن يتعنتوا في التربية مما يخلق التعقيد النفسي والكبت الاجتماعي لدى الطفل.
وتعالوا نناقش التفريط.
أولا: نجد الحرص على الطفل وهو في مرحلة الدراسة الابتدائية والعطف عليه وتدليله تدليلا يفوق الحد المعقول ومراقبته في ذهابه وإيابه، ثم إذا دخل المرحلة الموالية ترك له الحبل على الغارب، واعتبروه في نظرهم قادرا على توجيه نفسه نحو الطريق السوي، ومن هنا يبدأ هذا الطفل مرحلة الضياع، والضياع الذي سيمتد معه أو ربما قد ينتهي بمجرد نصح والديه أو أقاربه مستقبلا لا ينطبق على كل الأطفال.
وينطلق الطفل ليشبع نزواته ورغباته بعيدا عن أنظار أهله، ويلتف حوله القرناء، والكل يعلم ما يتمتع به قرناء السوء من لباقة في الحديث وتملق ونفاق يشعر الطفل بأنه ذلك الفارس المنتظر، ويسقط في حبائل الصياد دون أن يشعر بسقطته، ويبدأ من أول الطريق المنحرف فتمتد يد أحد أصدقائه إليه بسيجارة (تزيل الهم وتقوي الفكر)، ثم بتشجيع للهروب من المدرسة والقفز من فوق الجدران وجلسات المفاخرة بهذا المسلك، وما يوغرون به صدره من أنه يجب أن يوقف المدرس والمدير عند حدودهم.
ومن سيجارة واحدة إلى علبة سجائر إلى علبة فاخرة وولاعة يحملها في جيبه يفاخر بها الأقران، إلى (الشيشة) ليمسك بها في فخر واعتزاز ويبدأ بالانزلاق إلى ما هو أخطر وأشد تأثيرا، فقد يتعاطى المخدرات ويصبح مدمنا وهذا شيء طبيعي في مرحلة الضياع هذه والتي سببها الأب والأم.
ولا أقول إن الأب والأم هما السبب في كل الحالات فقد ينحرف الفتى برغم ما يحاط به من حسن التأديب والرعاية والإصلاح وذلك من تأثير المجتمع المدرسي وغيره من المؤثرات.
ثانيا: قضية الإفراط في التربية للطفل في هذه المرحلة، فنجد القسوة المتناهية وعدم فهم موقف الطفل وما يجب أن يكون عليه من واجبات تجاه البيت والمدرسة والمجتمع، فتجد الأب والأم متحجرين عندما يطلب منهما ابنهما شيئا -بالطبع ليس ماديا- يصران على موقفهما ويرفضان النقاش مطلقا ويفرضان عليه أحكاما جائرة (في نظرهما عادلة).
يعيش الطفل في دوامة لا يهتدي إلى أي طريق سوى طريق العصيان والخروج عن الطاعة، ويتخذ القرار المرّ وهو التهرب من واقعه المؤلم، فعندما تواتيه الفرصة للخروج من المنزل يأخذ في إشباع رغباته باندفاع وطيش ويتمرد على كل الأخلاقيات والقيم، وعندما يعود إلى المنزل تكون قد اختمرت في ذهنه فكرة العقاب الذي سيناله. ثم يعاود نشاطه المتمرد متى واتته الفرصة مرة أخرى، وهكذا نجد النتيجة لهذا الكبت والقسوة تكون بعكس ما أراد الأبوان.
ومن هنا نجد أن النسبة الكبرى في كلا الأمرين تقع على كاهل الأبوين؛ فمنهما كان التفريط والإفراط، وليس هناك من حل إلا أن يقف المربون موقفا وسطا، فيجب أن يشعروا الطفل بأنه أصبح قادرا على الاتصال بالآخرين بنفسه، وبأنه ذلك الذكي الذي يستطيع الاعتماد على نفسه، وكذلك يغرسوا في قرارة نفسه أنه لازال داخل نطاق الأسرة، وأنه لازالت تنطبق عليه أحكامها. كما يجب عليه طلب مشورة أهله وأخذ مواقفهم ورأيهم، ومن هنا يغرسون فيه العزة والكرامة؛ وكذلك التقدير والاحترام. فيطيب الغرس ويطيب بعده الثمر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *