1- قوله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (ص:44).
قصة الآية:
تذكر كتب التفاسير أن زوجة أيوب عليه السلام، قامت بتصرف، في مرضه، لم يتقبله، فأقسم ليضربنها عددا من الضرب ثم ندم وكان محبا لها، وهي التي كانت تخدمه في مرضه.
فأوحى الله إليه أن يضربها بحزمة فيها عدد من الأعواد بعدد الضربات التي أقسم عليها رفقا بزوجه لأجله، وحفظا ليمينه من حنثه، إذ لا يليق الحنث بمقام النبوة.
كما تبين الآية الكريمة صبر أيوب عليه السلام على البلاء، وقوة إقباله على طاعة الله، ورجوعه إليه.
الدروس والعبر المستفادة من الآية:
1- الاستهانة بالقسم: لقد حثت شريعتنا المطهرة على حفظ الأيمان ونهت عن القسم بدون سبب والإكثار منه، قال تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}المائدة 89.
ومن حفظ الأيمان الصدق فيها، وعدم الإكثار من الحلف، والالتزام بمقتضياتها.
قال السعدي: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ}عن الحلف بالله كاذبا، وعن كثرة الأيمان، واحفظوها إذا حلفتم عن الحنث فيها، إلا إذا كان الحنث خيرا، فتمام الحفظ: أن يفعل الخير، ولا يكون يمينه عرضة لذلك الخير.
وقال سبحانه: {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} البقرة224.
قال القرطبي: معناه: أقلوا الأيمان لما فيه من البر والتقوى، فإن الإكثار يكون معه الحنث وقلة رعي لحق الله تعالى، وهذا تأويل حسن.
فهذا أمر بحفظ الأيمان تعظيما لله، وترهيب من الحلف، وإن كان حالفا ولا بد فليبر قسمه، ولا يحنث، وإن حنث كفر، ولا استهانة به ولا احتيال للتملص من التزاماته.
هذا وإنه في زماننا استهان الناس بالقسم كثيرا، وقل من يحرص على البر به وعدم الحنث، نسأل الله السلامة والعافية.
2- الابتلاء: الابتلاء سنة كونية يختبر الله به عباده المؤمنين، ليرفع درجاتهم، ويمحو سيئاتهم، بعد تمحيصهم وتميزهم.
قال تعالى: ﴿الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ العنكبوت1-2.
وعن سعد بن أبي وقاص-رضي الله عنه- قال: سئل النبي- صلى الله عليه وسلم-: أيُّ الناس أشد بلاءً؟ قال: (الأنبياء، ثم الأمْثَلُ فالأمثل، يُبتلَى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زِيدَ صلابةً، وإن كان في دينه رقَّةٌ خُفِّف عنه، ولا يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض ما له خطيئة). صححه الألباني في الصحيحة (1/142).
قال الإمام الغزالي: إذا رأيت الله يحبس عنك الدنيا ويكثر عليك الشدائد والبلوى، فاعلم أنك عزيز عنده، وأنك عنده بمكان، وأنه يسلك بك طريق أوليائه وأصفيائه، وأنه يراك، أما تسمع قوله تعالى ﴿واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا﴾.
قال الإمام ابن القيم: الأصل السادس: أن ابتلاء المؤمن كالدواء له يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه أهلكته أو نقصت ثوابه وأنزلت درجته فيستخرج الابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء ويستعد به لتمام الأجر وعلو المنزلة).إغاثة اللهفان 2/ 188).
عظم الصبر: الصبر خلق من الأخلاق الكريمة التي حث عليها ديننا الحنيف ورغب فيها، ولعظمه فلم يقدر الله للمتحلي به أجرا معينا ولا ثوابا محددا (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
وهو خلق الأنبياء، قال تعالى: (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنْ الصَّابِرِينَ)، وقال سبحانه عن أيوب عليه السلام: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).
قال النبي صلى الله علية وسلم: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) رواه مسلم.
قال عمر بن الخطاب: أفضل عيش أدركناه بالصبر، ولو أن الصبر كان من الرجال كان كريمًا.
وقال الحسن: الصبر كنز من كنوز الجنة، لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده.