التطاول على مقام العلماء د. يوسف بن محمد مازي

وعليه فإن المسيء إلى العلماء والطاعن فيهم بغيا وعدوانا قد ركب متن الشطط، ووقع في أقبح الغلط، لأن حرمة العلماء مضاعفة، وحقوقهم متعددة، فلهم كل ما ثبت من حقوق المسلم على أخيه المسلم، ولهم حقوق المسنين والأكابر، ولهم حقوق حملة القرآن الكريم، ولهم حقوق العلماء العاملين والأولياء الصالحين. وهذا ما لا يختلف عليه اثنان، ولا يشذ عنه إلا ضال مارق، ولا ينكره إلا جاحد هالك…
ومن أجل هذا الملحظ نص الشافعية على أن الغيبة إذا كانت في أهل العلم فهي كبيرة؛ وإلا فصغيرة . قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: “واعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته، أن لحوم العلماء-رحمة الله عليهم- مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، لأن الوقيعة فيهم بما هم فيه براء أمر عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاف على من اختاره الله منهم ليعيش العلم خلق ذميم” .
وفي رواية عنه أيضا: “اعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه…” لأن إجلال أهل العلم إجلال لما يحملونه من شرع الله عز وجل، وذلك لأنهم هم الوارثون للرسل والمبلغون شرائعهم من بعدهم، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: “العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر.”
والآثار في هذا كثيرة، تكفي فيها الإشارة دون بسط في العبارة .آثار تبين مدى خطورة ما وصلت إليه الأمة اليوم وما تعانيه من ظواهر مرضية، منها تطاول الصغار على الكبار، والجهلة على العلماء، وطلبة العلم بعضهم على بعض، حتى إن الواحد منهم ينسى قاموس التآخي. وما أسرع ما يخرج إلى العدوان على إخوانه، ويجردهم من كل فضل فلا مكان للحلم عنده، ولا للعفو على لسانه، ولا للصبر في نفسه، ولا للتأدب بآداب الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح في حياته، فأصبح الجميع يجهل فوق جهل الجاهلين. ولله ذر الشاعر:
ألا لا يجهلن أحدٌ علينـا … فنجهـل فـوق جهـل الجاهلينـا
بل إن من طلاب علم آخر الزمان من خاض في أوحال السب والشتم والتجريح، وانتدب نفسه للوقيعة في أئمة كبار اتفقت الأمة على إمامتهم لما أسدوه من الخير والفضل الكبيرين لهذا الدين، وما اتفاق الأمة على إمامتهم إلا اعترافا بالجميل وردا للاعتبار، وهو لا يدري إنما زين له الشيطان سوء عمله فرآه حسنا، قال تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ} .
ونهج سبيلي واضح لمن اهتدى ولكنها الأهواء عمت فأعمت
فإنما هو إبليس يستدرجهم من حيث لا يشعرون إلى وحل العدوان، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ويتوهم أنه يؤدي ما قد أوجبه الشرع عليه من دفاع عن الشرع وعن السنة، ومحاربة للبدعة فأطلق العنان للسانه، وقتل روح الحياء في قلبه، وأزال حجاب الوعي على عقله فختم الله على قلبه، وجعل على سمعه وعلى بصره غشاوة فأصبح كالصم البكم العمي الذين لا يعقلون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *