ثنتان موجبتان (2/2)

روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم (أو قال: بخطاياهم) فأماتهم إماتة، حتى إذا كانوا فحماً، أذن بالشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر، فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل».
ولمسلم من حديث جابر بن عبد الله يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أقواماً يخرجون من النار يحترقون فيها، إلا دارات وجوههم، حتى يدخلون الجنة».
وهؤلاء الذين يخرجون من النار ويدخلون الجنة يسميهم أهل الجنة بالجهنميين، ففي صحيح البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، فيدخلون الجنة، يسمون الجهنميين»، وفي الصحيح أيضاً عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج من النار بالشفاعة كأنهم الثعارير»، قلت: وما الثعارير؟ قال: «الضغابيس»، وهي الأغصان الناعمة الصغيرة الخضراء.
وروى البخاري عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج قوم من النار بعدما مسهم منها سفع، فيدخلون الجنة، فيسميهم أهل الجنة الجهنميين»، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة الطويل في وصف الآخرة: «حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئاً، ممن أراد الله أن يرحمه، ممن يقول: لا إله إلا الله، فيعرفونهم في النار، يعرفونهم بأثر السجود، تأكل النار من ابن آدم كل شيء إلا أثر السجود، حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار وقد امتحشوا (احترقوا)، فيصب عليهم ماء الحياة، فينبتون منه، كما تنبت الحبة في حميل السيل».
فعقيدة أهل السنة هي عقيدة وسط، لم يجعلوا العاصي مثل المطيع ولا جعلوا المسلم كالكافر، إنما قالوا: المسلم جاء بالتوحيد وهو حق الله على عباده، فلا يخلد كالكافر في النار، ولو مات على المعصية، لأنه آمن بالله وهذا أعظم فرض، ومن عصى الله من المسلمين يستحق عقاب الله بحسب معصيته، فيعاقب بما فعل ثم يخرج من العذاب ويدخل الجنة خالداً فيها بسبب إيمانه، فإيمانُه نفعه، وذنوبه ضرّته، لكن من عصاة المسلمين من يسامحهُمُ الله بمنّه وعفوه وكرمه ورحمته، فالمؤمن دائماً بين الخوف والرجاء يخاف عِقاب الله ويرجو رحمةَ الله.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يتغمدنا جميعا برحمته الواسعة، إنه هو العفو الكريم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *