يَا راحلا في الصمتِ!! (في رثاء المهدي المنجرة رحمة الله عليه) شعر: عبد الحميد محمد العُمري

 

عَجَزَتْ عُيُونُكَ، فَهْيَ لاَ تُهْدِي نُوراً تَسِيرُ بِهِ، فَلا تَهْدِي
وَأَصَارَهَا الموتُ المُغِيرُ مِنَ البُكَا طَلَلاً مَحَتْهُ عَوَاصِفُ السُّهْدِ
يَا أيُّهَا البَاكِي فَقِيداً –مُمْعِناً- صَبْراً، وَهَلْ لِلْمَوْتِ مِنْ عَهْدِ؟
عَهْدُ المَنِيَّة أن تَخَيَّرَ فِي الورى أَخْيَارهُم في الشيبِ والمهْدِ
صَادَتْ حَبَائِلُهَا الكِرَامَ ولَمْ تَزَلْ تَحْتَالُ حَتَّى اصْطَادَتِ المهْدِي
مَا أبْقَت الدنيا –بِفَقْدِهِ- فَوْقَهَا إلاَّ السُّمومَ أَحَطْنَ بالشَّهْدِ
تَسْبِي الكِرامَ وقَدْ تَقلَّدَ حُكْمَهَا شَرُّ الخلاَئِقِ ثُمَّ لاَ تُهْدِي
إنْ كُنْتَ تَطْلُبُ وُدَّهَا لَمَّا حَيَوْا هَلْ بَعْدَ ذَا خَيْرٌ مِنَ الزُّهْدِ؟
شَرٌّ مِنَ البَلْوَى انتظارُ سِهَامِهَا وظِلاَلُهَا أقْسَى مِنَ الفَقْدِ
وَالموتُ يَصْطَادُ الرِّجَالَ ويَكْتَوِي بلَهيبِهِ مَنْ ليسَ في الصَّيْدِ
والموتُ موتُ النائمينَ عَنِ العلا وهو الحياة لطالب المَجْدِ
يا راحلاً عنْ ذي الديارِ مسَافراً أَجِدُ الوَداعَ كَساكِنِ الغِمْدِ
أَ ذَهَبْتَ لَمْ تَعْطِفْ عَلَيَّ بنَظْرةٍ أو كِلْمَةٍ أشفي بها وجْدِي
وَتَرَكتَنِي؛ قَدْ أَخْرَسَتْنِي حَسْرتِي فَتَكَلُّمِي دَمْعِي على خَدِّي
أَبْكِي فِرَاقَكَ أَمْ أَنُوحُ لأُمَّةٍ لَفَظَتْكَ حِينَ رَمَيْتَ بِالقَيْدِ؟
نَامَتْ وَأَنْتَ تُنِيرُ دَرْبَ حَيَاتِهَا وَعَصَتْكَ حِينَ دَعَوْتَ لِلرُّشْدِ
جَهِلَتْ مَكَانَكَ أُمَّةٌ لَمْ تَدِرِ ما دَعْوَاكَ إِلاَّ سَاعَةَ الفَقْدِ
فَلَقَدْ رَحَلْتَ، فَهَلْ سيُوقَظُ نَائِمٌ لَيَرى طَريقَكَ في الدُّجَى المُردِي؟
فليَبْكِ عِلْمَكَ مَنْ يُحِسُّ بِفَقْدِهِ ولْيَبْكِ حَقَّكَ صاحِبُ الجِدِّ
وَلْيَبْكِكَ العِلْمُ الذِي وَرَّثْتَهُ للْعَالَمِينَ وَأَنْتَ في اللَّحْدِ
وَلَّى أَبُوهُ فَذَاقَ يُتْماً في الوَرَى وَلَقَدْ تَيَتَّمَ قَبْلَهُ المَهْدِي
وَلَسَوْفَ يَحْيَا رُغْمَ أَنْفِ عُدَاتِهِ عُمْراً بِلاَ سُقْمٍ ولاَ حَدِّ
ولْيَبْكِكَ الوَطَنُ الذِي أَحْبَبتَهُ والأُمَّةُ المَحْرُومَةُ الوِرْدِ
وَطَنٌ بَذَلْتَ لَهُ فُؤَادَكَ مُخْلِصاً فَلَقِيتَ مِنْهُ مَرَارَةَ الصَّدِّ
لَوْ كَانَ يَدْرِي مَا المحَبَّةَ والوَفَا لم يَجْزِ بالإِعْرَاضِ ذَا الوُدِّ
أَسَفِي عَلَى وَطَنٍ يُكَرِّمُ أَهْلَهُ إِنْ أَخْلَصُوا بالسِّجْنِ والوَأْدِ
وَلْتَبْكِكَ الأَخلاقُ؛ كنتَ رَسُولها فِي أمَّةٍ حادت عن العهْدِ
ولْيَبْكِكَ الإِسْلامُ أنْ كُنْتَ ابْنَهُ لَمْ تَعصِهِ في الحلَّ والعقْدِ
وَلْيَبْكِ جِدٌّ لا يشيبُ وهِمَّةٌ ليسَتْ تنِي يوما ولا تُكْدِي
مَنْ للْبِناءِ علَى ذُرَى الجَوْزَاء؟ مَنْ سَيَكُونُ بَعْدَكَ رائِدَ الوَفْدِ؟
للهِ أنت! مضيتَ في صَمْتٍ ولم يتبَعْكَ كُلُّ مُنافِقٍ وَغْدِ
ويَمُوتُ بعْضُ الميِّتينَ عنِ العلا فعزاؤهم بالمدْحِ والحشْدِ
أ ترى يضيرُ الحُرَّ أن لم يرثِه سيْفُ الجبَانِ ومُهْجَةُ العبدِ؟
إِنْ يفعلوا، فلقدْ بكاك بقلبه ذُو الصدْقِ والإخلاص والرُّشْدِ
وبَكَتْ سَجَايَاكَ السَّمَاءُ فأمْطَرَتْ وجَثَتْ تَنُوحُ بِقَاصِفِ الرَّعْدِ
وَلَسَوفَ يَذْكُرُكَ الزَّمانُ لأَهْلِهِ بالخير دَوماً؛ صادِقَ الوعْدِ
ولسَوْفَ تَحيا في القُلُوبِ، فتَجْتَنِي مَا قد زرعتَ؛ بشَائرَ السَّعْدِ
ولَسَوفَ يمضي كالنسائمِ عِلْمُكُمْ يَهْدِي الوَرَى في القُرْبِ والبُعْدِ
فَسَقَى تُرَابَكَ صَوْبُ مُزْنٍ هَاطِلٌ وسَقَى بلادَكَ وابلُ الوجْدِ!!
يَا ربِّ فاغْفِر، واسْقِ رَحْمَتَكَ التِي وسِعَتْ عِبَادَكَ ساكِنَ اللحْدِ
وامْدُدْ عَلَيْهِ ظِلاَلَ مَنِّكَ، إنَّهُ يَا رَبُّ مُفْتَقِرٌ إلَى المدِّ
يَا ربُّ؛ لَمْ يُكْتَبْ لقاءٌ في الدُّنى فاجْعَلْ لِقانا في رُبى الخلْدِ

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *