في كل قول وعمل نيتان:
الأولى: تحدد ماهية العمل.
والثانية: هي نية الاحتساب ــ قصد الصواب ــ ويقال لها نية الإخلاص.
فمثلا يريد إنسان أن يصلي، فلابد له من نيتان الأولى تحدد ماذا سيصلي، فرض أم نفل، وإن كان فرضا فأي فرض ظهر أم عصر أم مغرب [1]؟ وإن كان نفلا فوترا أم راتبة أم قيامُ ليل…؟ وهكذا.
وإن كان صوما تحدد أي صوم هو؟ فرض أم نفل؟ وإن كان نفلا فالإثنين وخميس أم من الثلاثة البيض أم عاشوراء؟ وهكذا.
وقل مثل ذلك في باقي الأشياء.
هذه هي النيّة الأولى … تُميز العمل.
والنية الثانية هي نية الإخلاص. هي التي يتوقف عليها أجر العامل، وصحة عمله من بطلانه، وقبوله من رده (فكم من شخصين يصليان خلف إمام واحد وصفٍ واحد وبينهم كما بين السماء والأرض بالنية).
يقول شيخ الإسلام بن تيمية (العبد قد يأتي بالحسنة بنية وصدق وإخلاص تكون أعظم من أضعافها. كما في حديث صاحب البطاقة الذي رجحت بطاقته التي فيها: “لا إله إلا الله” بالسجلات التي فيها ذنوبه. وكما في حديث البغي التي سقت كلبا بموقها فغفر الله لها. وكذلك في السيئات).
ولم يَنَلْ مهاجر أم قيّس شيئا من هجرته مع أنه أتى بالوصف الظاهر للهجرة تماما كغيره، ذلك لتخلف النية الثانية وهي قصد الثواب… نية الاحتساب والمتابعة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد هاجر للزواج من أم قيس ولم يهاجر لله ورسوله.
وبهذا يفهم قول السلف (إن الأعمال تتفاضل بما في القلوب). وقول بعضهم عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه (ما فضلهم بصلاة ولا صيام ولكن بشيء وقر في قلبه).
والحاصل أن مع كل عمل سؤالان:
الأول: ماذا أعمل؟
والثاني: لماذا أعمل هذا العمل؟
فعلى كل عامل أن يستحضر الاحتساب ـ طلب الأجر ــ وأن يستحضر المتابعة للنبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يقول ويفعل. فيكون مخلصا لله في عمله متبعا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم.
————————————–
[1] من العلماء من قال بأنه تجزئ الفرد نية فرض الوقت دون أن يحدد.