دلائل محبة النبي صلى الله عليه وسلم

رأس الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم كمال التسليم له، والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق، دون أن يحمله معارضة بخيال باطل يسميه معقولا، أو يحمله شبهة أو شكا، أويقدم عليه آراء الرجال وزبالات أذهانهم، فيوحده بالتحكيم والتسليم، والانقياد والاذعان، كما وحد المرسل سبحانه وتعالى بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل.

محبة النبي صلى الله عليه وسلم درجتان:
إحداهما: فرض، وهي المحبة التي تقتضي قبول ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى، وتلقيه بالمحبة والرضى والتعظيم والتسليم، وعدم طلب الهدى من غير طريقه بالكلية.
وثانيهما: فضل، وهي المحبة التي تقتضي حسن التأسي به، وتحقيق الاقتداء بسنته، وأخلاقه، وآدابه، ونوافله، وتطوعاته، وأكله وشربه، ولباسه، وحسن معاشرته لأزواجه، وغير ذلك من آدابه الكاملة، وأخلاقه الطاهرة.
فمن دلائل محبته وتعظيمه، تقديمه وتفضيله على كل أحد، فقد فضله الله تعالى على جميع الخلق أولهم وآخرهم، فهو خاتم الأنبياء وإمامهم وسيدهم؛ قال صلوات الله عليه وسلامه: “أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من ينشق عليه القبر، وأول شافع، وأول مشفع”. رواه مسلم
وينتج عن هذا الاعتقاد، استشعار هيبته، وجلال قدره، وعظيم شأنه، والمعاني الجالبة لحبه وإجلاله، وكل ما من شأنه أن يجعل القلب ذاكرا لحقه من التوقير والتعزير، ومعترفا به ومذعنا له.
سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ”.
قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقته لأني لم أكن أملأ عينبي منه.
ومنه سلوك الأدب معه صلى الله عليه وسلم، بالثناء عليه بما هو أهله، وأبلغ ذلك ما أثنى عليه ربه عز وجل به، وما أثنى هو على نفسه به؛ وأفضل ذلك:
الصلاة والسلام عليه، لأمر الله تعالى وتوكيده:
وهذا إخبار من الله تعالى بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى.
ومنه الاكثار من ذكره، والتشوق لرؤيته وتعداد فضائله وخصائصه ومعجزاته ودلائل نبوته، وتعريف الناس بسنته وتعليمهم إياها.
قال ابن القيم رحمه الله: “كلما أكثر من ذكر المحبوب واستحضاره في قلبه، واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه، تضاعف حبه له، وتزايد شوقه إليه، واستولى على جميع قلبه، وإذا أعرض عن ذكره وإحضاره وإحضار محاسنه بقلبه نقص حبه من قلبه.
ومنه التأدب عند ذكره صلى الله عليه وسلم بأن لا يذكر باسمه مجردا، بل بوصف النبوة أو الرسالة، وهذا كما كان أدبا للصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في ندائه فهو أدب لهم ولغيرهم عند ذكره صلى الله عليه وسلم ، فلا يقال: محمد، ولكن: نبي الله، أو الرسول، ونحو ذلك.
ومنه توقير حديثه، والتأدب عند سماعه، والوقار عند دراسته؛ وقد كان لسلف الأمة وعلمائها عموما والمحدثين خصوصا منهج رصين، ورصيد ثري، وإسهام قوي في إجلال حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوقير مجلس الحديث، والتحفز لاستباق العمل به تعظيما له.
قال أبو سلمة الخزاعي: كان مالك بن أنس إذا أراد أن يخرج (لـِ)يُحَدِّث توضأ وضوءه للصلاة، ولبس أحسن ثيابه، ولبس قلنسوة، ومشط لحيته! فقيل له في ذلك، فقال: أوقر به حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومر مالك بن أنس على أبي حازم وهو يحدث فجازه، وقال: إني لم أجد موضعا أجلس فيه، فكرهت أن آخذ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قائم.
فجماع الأمر “ورأس الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم كمال التسليم له، والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق، دون أن يحمله معارضة بخيال باطل يسميه معقولا، أو يحمله شبهة أو شكا، أويقدم عليه آراء الرجال وزبالات أذهانهم، فيوحده بالتحكيم والتسليم، والانقياد والاذعان، كما وحد المرسل سبحانه وتعالى بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل”.
واعلم أن الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصرته، آية عظيمة من آيات المحبة والإجلال، قال تعالى: لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ” الحشر8
ومنه الذب عن عرضه وعرض زوجاته الطاهرات المطهرات، فالوقيعة فيهن واتهامهن بالباطل من أعظم الإيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم ولهذا قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: “يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” النور17:
يعني في عائشة لأن مثله لا يكون إلا نظير القول في المقول عنه بعينه، أو فيمن كان في مرتبته من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، لما في ذلك من أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرضه وأهله، وذلك كفر من فاعله.
ومنه الذب عن سنته بالرد على شبهات المستهزئين بما ثبت من هديه في القول والفعل والاعتقاد، كاستهزاء بعضهم بالحجاب، أو اللحية، أو برفع الإزار فوق الكعبين، أو السواك، ونحوها.
قال تعالى:” َلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُون لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ َ ” التوبة65
فالتهاون في الذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته من الخذلان الذي يدل على ضعف الإيمان، أو زواله بالكلية، فمن ادعى الحب ولم تظهر عليه آثار الغيرة على حرمته وعرضه وسنته، فهو كاذب في دعواه.
قال محمد بن المرتضي اليماني: المحامي عن السنة الذاب عن حماها كالمجاهد في سبيل الله تعالى يعد للجهاد ما استطاع من الآلات والعدد والقوة، كما قال الله سبحانه:” وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ” الأنفال60
وقد ثبت في الصحيح أن جبريل عليه السلام كان مع حسان بن ثابت يؤيده ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشعاره، فكذلك من ذب عن دينه وسنته من بعده إيمانا به، وحبا ونصحا له.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *