إذا كان الاتفاق المالي المغربي الفرنسي سنة 1910 يشكل منطلقا للحماية الفرنسية للمغرب من الناحية الاقتصادية والمالية، حيث لم يعد للمغرب سيطرة على موارده المالية والإدارية في الجوانب الضريبية والعائدات الجمركية، وتحديدها وتحصيلها في الموانئ والأسواق، فإن الاتفاق الألماني الفرنسي الموقع في سنة 1911 يطلق يد فرنسا للتصرف في المغرب، وتمثيله لدى القوى الكبرى، والقيام بدور الوسيط والحكم، فيما يقع بين الأجانب وموظفي المخزن، من منازعات وتسويات، مما يجعل البلاد فاقدة الأهلية تجاه العالم الخارجي، لذلك اعتبرت المصادقة على ذلك الاتفاق من طرف السلطان، موافقة على ما جاء فيه من شروط وتنظيمات، تطيح بالسيادة المغربية، وتفتح البلاد في وجه توسيع الاستعمار، الذي كان مقتصرا على التخوم الجزائرية، ومنطقة الشاوية.
لقد كان المقابل الذي دفعته فرنسا للإنجليز سنة 1904، لإطلاق يدها في المغرب، هو تخليها عن مصر والعراق، ولإسبانيا سنة 1905 التنازل لها عن الشريط الشمالي للمغرب من طنجة إلى مليلية، وفي الجنوب الساقية الحمراء ووادي الذهب، ولألمانيا عن الكونغو سنة 1911.
جاء في كتاب «La politique générale Européenne en Afrique» 1912 par W. Candwell:
«ألمانيا تتطلع للمغرب كي تحصل على ناحية سوس، لأنها لا تملك من هامبورغ حتى الطوغو أي ميناء للرسو فيه، ولا مخزنا للفحم، ولا مستعمرة، فالمغرب هو البلد الوحيد الذي لم يُغْزَ بعد الموجود على تلك الطريق، وسوس غنية بالمعادن، ولا تتطلب سوى موقعا على شواطئها، وميناء أكادير هو أحسن موقع لذلك لأنه نصف مغلق، بين المتروبول والطوغو، مما يجعله نقطة مثالية للرسو، زيادة على قربه من مناجم الفحم مما لا يجعل ضروريا إقامة مخازن لهذا الأخير وتجنب تكلفتها المرتفعة» ص: 190.
لذلك فقد خاضت فرنسا مفاوضات عسيرة مع ألمانيا قبل أن تتوج بالاتفاق الذي سنعرض لبعض فصوله لاحقا. جاء في رسالة من دوبيليي إلى وزير الخارجية الفرنسية، من طنجة في 19 غشت:
«بعث إلي السيد ماك من موكادور بتاريخ 18 غشت الجاري المراسلة التالية، رقم: 512، ص: 477:
أبلغك أن قياد أولوز وراس الواد بعثوا بخلفائهم لتارودانت يعرضون عليهم الوساطة بين هوارة والقائد، لكن القبائل الساكنة حول أكادير المغتاظين من وجود السفن الحربية بجوارهم، يريدون رحيلها من تلك الأماكن، وإبعاد الأجانب عن ميناء أكادير وتحققه في تارودانت نفسها.
على الحكومة الألمانية إذا أرادت تجنب التصعيد، أن تحاول مع الإخوان منسمان بتذكيرهم بدورهم، وهو استخدام سلطة القائد الكلولي لردع القبائل وإلزامها بعدم مهاجمة أكادير».
وفي 21 غشت 1911 بعث دوبيليي إلى وزير خارجيته من طنجة برسالة رقمها: 514، ص: 478، جاء بها:
«توصلت من السيد مارك بالمراسلة التالية، مؤرخة من موكادور في 19 غشت الجاري، يقول:
بناء على طلبي المقدم لباشا موكادور قام بمكاتبة قياد راس الواد وتارودانت وكذلك الكلولي، ملتمسا منهم التفضل بضمان حماية أمن الأوربيين في حالة خروجهم من تارودانت إلى موكادور أو مراكش».
وفي 22 غشت 1911 بعث وزير الخارجية الفرنسية إلى ممثل فرنسا ببرلين المراسلة التالية من باريس، رقم: 515:
«حدود نوع التخلي عن المكان الذي تقترحه ألمانيا على الحكومة الفرنسية كمبادلة عن إطلاق يدها في المغرب، نتابع إنجاز المهام التجارية منه التي بدأناها منذ 1830 في إفريقيا الشمالية، بخلاف إفريقيا الاستوائية التي لا قيمة اقتصادية لها، كما أن دورها السياسي لا يعادل دول إفريقيا الشمالية بالنسبة لنا.
نحن نواصل المفاوضات، وإذا ما حالفنا الحظ فسيكون البدء في انطلاق حركتنا بالغرب من التدخل الألماني، وإذا ما فشلت المفاوضات، وفيما إذا كان الرأي في ألمانيا يسمح بالوصول لنتيجة، في هذه الحالة فإن الحكومة الألمانية ستتخذ بدون شك خطوة ثانية في اتجاه بعث الباخرة الحربية قبالة أكادير.
لقد رفضَت الذهاب للمفاوضات، لكن تمركزَت في سوس منتظرة التطورات، الوضع الداخلي أيضا ينتظر تقييم السياسة الخارجية على ضوء الانتخابات المقبلة».
كما بعث وزير الخارجية الفرنسية إلى سفير بلاده في لندن رسالة من باريس رقم: 516، بتاريخ 22 غشت 1911، جاء بها:
«الحكومة الفرنسية حددت بصفة نهائية حدود التزاماتها بالنسبة للأراضي التي تريد موافقة ألمانيا على مبادلتها معها مقابل سماحها لفرنسا بإطلاق حريتها في المغرب، مشروع الاتفاق كما تعلم يعطي لألمانيا 1 محور على المحيط، و2 محور بانكي، و3 شريط كير على طول الحدود الجنوبية والموازي للكاميرون.
الحكومة الفرنسية سبق أن حاولت احتلال موكادور وآسفي ومراكش، حاوِل استطلاع رأي السير كريي وموافقته على ذلك، واطلب منه ما إذا كان يريد من الحكومة الفرنسية مزيدا من التضحيات».
وفي 31 غشت بعث دوبيليي برسالة إلى وزير الخارجية الفرنسية، مؤرخة بطنجة رقم: 521، ص: 486:
«قنصلنا في موكادور بعث لنا بالرسالة التالية:
القائد لمتوكي أخبرني بأن ممثلي ألمانيا يريدون إنشاء قوات في الجنوب تابعة للقائد كريمي، وذلك في تكتم شديد، تلقيت من البارون دوسيكوندور الذي أصر على أن يبقى كريمي قائدا، وقد سبق له أن طلب من المسؤولين في برلين قبول إعطائه حماية ألمانية، وقد بعث بالطلب إلى برلين، وقد سئل عنه، فأخبر بأن الطلب لم يصل بعد».
وفي 16 أكتوبر 1911 بعث وزير الخارجية الفرنسية برسالة إلى مولاي حفيظ سلطان المغرب، رقم: 592، جاء بها:
«الوضع المضطرب في الإيالة الشريفة في الشهر الأخير، والعواقب التي تأتي بها تلك الحوادث السياسية التي تنجم عنها بالنسبة للحكومة الفرنسية والألمانية، مما جعل البلدين يختاران الظروف التي ستفتح مهمة التهدئة والجهود المقررة في عقد الجزيرة، والقدرة من طرق المقري والدول الأجنبية في علاقاتها معه.
إن الاتفاق المقام بين الحكومتين، يضبط التفاهم بين فرنسا وألمانيا، والذي لي الشرف أن أقدم لجلالتكم النص الذي سيعلن فيما بعد، للدول الموقعة على عقد الجزيرة لتطلع بواسطته على المساعدة الفرنسية المطلوبة من الحكومة المغربية، والتي سبق أن استجابت لها في ظروف الخطورة نظرا للحاجة الملحة التي كان يتطلبها الوضع الداخلي والخارجي للمغرب، الذي لم يقبل أي أجنبي الاستجابة لها، والتي تروم المساعدة في التنمية الإدارية والتنمية الاقتصادية للإيالة الشريفة، وإزالة جميع الصعوبات المعترضة لذلك.
فالحكومة الفرنسية من الآن فصاعدا ستعمل على مستوى منح كامل المساعدة للحكومة المغربية لتحقيق تطبيق كافة الاتفاقيات السابقة الموقعة بين البلدين منذ سنوات عديدة، وستسهم في تنظيم هذه المهمة التي تعرفها جلالتكم، والتي لم تتوقف أبدا عن استلهام السياسة الفرنسية المنشغلة دائما بتأييد السلطة المغربية بتقديم الموارد المحتاج لها وتسهيلها بنصائح رجالنا الموضوعين رهن إشارته ليساعدوا في البناء الذي اختارته جلالتكم وارتباطهم بكل ما يتعلق به، في امتثال دقيق للعادات والتقاليد وديانة شعبكم المسلم.
لا شك أن جلالتكم لا يمكنه أن يمانع في إسهام الحكومة الفرنسية وفق الاتفاقات الموقعة مع المخزن، وجعلنا نحس بالولاء والثقة المتبادلة المؤكدة للاتفاقات المهمة سابقا، وتسوية وضعية ولي العهد الذي تختاره جلالتكم. إذا تبين لجلالتكم احتمال إعادة النضر في شرط ما، أو الحكمة الشريفة أن تعهد لرجال فرنسا في الخارج معالجة موضوع الحمايات الأجنبية وامتيازاتها في نفس الوقت الذي يطلعون فيه بتمثيل فرنسا بالمغرب من أجل الوساطة في العلاقات مع باقي المفوضيات، المخزن يرى بدون شك بأن هذا الاجراء ذو طبيعة تسهيلية للقرارات والتسويات للمشاكل المختلفة المطروحة لحد الآن.
المزايا المطروحة بيّنة كما أعتقد، وسيكون من المرغوب فيه قبوله من الآن، ونعلن رسميا موافقتكم على الصيغة الأساسية في الاتفاق المصاحب، الحكومة الشريفة تأكدت طبعا من أن فرنسا وألمانيا قبلتا فرصة مراجعة الوظيفة الحالية لنظام الحماية التعسفات المسببة لنظام الحماية، وهو بالضبط الذي حرض بشكل كبير على الحماية المعلنة من طرف المخزن…».
وفي 19 أكتوبر 1911 بعث كامبو من برلين إلى وزير الخارجية الفرنسية برسالة رقم: 596، ص: 585، جاء بها:
«حول نقطة المباحثات المقامة مع ألمانيا بشأن المغرب، وامتيازات الأراضي التي تنتظرنا، أعتقد أنه يجب إثارة انتباهكم للوضعية الحالية التي أباشرها، فالإحساس العام في ألمانيا مقتنع بأنه لا يوجد جزء من إفريقيا الوسطى معادل بالنسبة لنا في إفريقيا الشمالية التي ستصير أخيرا ضمن مجالنا الذي سندافع عنه من البحر والصحراء، فالرأي هنا يقبل دون أسف بقطع المحاورات الجارية، وسيرجع بكل حرية لمناقشة فكرة تقسيم المغرب التي ردت بحذر من مدة في هذا البلد.
يحتمل أن تطلب منا الحكومة الألمانية مغادرة فاس، وسنرفض ذلك بالتأكيد، فإذا أرادت أوربا الموافقة على عقد الجزيرة، فعليها تدويل نزاع المغرب، وسيكون بداية ذلك قيام ألمانيا بالإنزال في أكادير واحتلال سوس».
وفيما يلي نص الاتفاق الفرنسي الألماني الذي عرض على مولاي حفيظ:
«حكومة الجمهورية الفرنسية وحكومة جلالة إمبراطور ألمانيا تبعا للقلاقل الحاصلة بالمغرب التي تظهر ضرورة متابعة الجهود المبذولة للتهدئة وفقا لعقد الجزيرة، تصرح الحكومة الألمانية بأنها لا يهمها بالمغرب سوى الامتيازات الاقتصادية، ولن تعطل الحركة الفرنسية في مساعدة الحكومة المغربية على بسط الأمن وإقامة الإصلاحات الإدارية والقضائية والاقتصادية والمالية والعسكرية المطلوبة لقيام حكومة جيدة بالإيالة الشريفة، وكذا الضوابط الجديدة والتغييرات المطلوبة الملائمة لتلك الإصلاحات، مع تعهد الحكومة الفرنسية أثناء ذلك بالحفاظ على المساواة بين الدول في المجال الاقتصادي أثناء مراقبتها وحمايتها» ص: 111.
يتبع..