المهرجان الفاسي للموسيقى الروحية هل بالموسيقى نعيد لفاس عالميتها العلمية؟ إبراهيم بيدون

احتفلت مدينة فاس مؤخرا بذكرى مرور 1200 سنة على تأسيسها، وهي المدينة التي تعتبر أحد أهم مراكز الحضارة الإسلامية عبر التاريخ، لما كان لها من إشراق علمي من خلال جامعتها القرويين، حتى صارت بحق العاصمة العلمية للمغرب، لكن اختراق سياسة الاحتلال للمجال العلمي والتربوي لبلدنا همش دورها وأمات روح العالمية التي كانت تفتخر بها..
وبعد خروج المحتل لم تستطع العديد من الخطط والبرامج إعادة الأهمية العلمية التي كان تفتخر بها هذه المدينة وجامعتها، ولإعادة تسليط الضوء عليها تفتقت فكرة إحياء مهرجان دولي للموسيقى الروحية إشارة إلى عالمية المدينة وإغراقها في الروحانيات التي لا تتجلى إلا في الموسيقة والأغاني من شتى بقاع العالم، وكأن الروح لا تصفو إلا بالألحان ورنات الآلات الموسيقية..
إن إعادة إحياء الدور الريادي الذي كانت تعيشه المدينة والتي اكتسبته من اهتمامها بالعلوم الشرعية وجهادها للغزاة لن يتأتى بمثل هذه المهرجانات التي تمسخ الروح بألحان الموسيقى، وهو خلاف العهد الذي ارتضاه المولى إدريس لما أسس قواعد هذه المدينة، فقد ذكر ابن غالب في تاريخه: “أن الإمام إدريس لما فرغ من بناء مدينة فاس، وحضرت الجمعة الأولى، صعد المنبر وخطب الناس، ثم رفع يديه في آخر الخطبة، فقال: “اللهم إنك تعلم أني ما أردت ببناء هذه المدينة مباهاة ولا مفاخرة، ولا رياء ولا سمعة ولا مكابرة، وإنما أردت أن تعبد بها، ويتلى بها كتابك، وتقام بها حدودك، وشرائع دينك، وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ما بقيت الدنيا، اللهم وفق سكانها وقطانها للخير، وأعنهم عليه، واكفهم مؤنة أعدائهم، وأدر عليهم الأرزاق، وأغمد عنهم سيف الفتنة والشقاق، إنك على كل شيء قدير” الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى لأبي العباس أحمد بن خالد بن محمد الناصري رحمه الله تعالى 1/220.
فهل مهرجان الموسيقى الروحية يتلاءم وهدف المولى إدريس من بناء هذه المدينة؟
إن ادّعاء أن هذه الموسيقى التي يعرضها روحانيو العالم على مدار أيام المهرجان هي موسيقى روحية، بمعنى أنها تغذي الروح، هو مغالطة للحقيقة الشرعية التي تقرر أن حب القرآن وحب الألحان في قلب امرئ لا يجتمعان، وأن الموسيقى تخرب القلب والوجدان لا تحييه، فقد ذكر غير واحد من أكابر أهل العلم والصلاح، منهم الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود “إن الغناء ينبت النفاق في القلب، كما ينبت الماء الزرع”، فكيف يقال افتراء موسيقى روحية؟ إلا أن تكون الروح التي غذاؤها الموسيقى، هي روح بمقياس علماني يقدس الفن ويجعله من مقامات تحقيق الوجود البشري القائم على متعة الروح والجسد، بأي شيء ما دامت النفوس تهواه وترغب فيه، وهو ما يحقق الحرية المطلقة التي تبحر بعيدا عن كل قيد شرعي أو خلقي أو مجتمعي، فلا مقدس غير شهوات النفس والروح!!
إن النهوض بمدننا وبمدينة العلم خاصة يكون بإحياء العلم فيها بإقامة المهرجانات والدورات العلمية التي تنفع الناس في دينهم وتصلح لهم دنياهم، فلا خير في التسمية بالعاصمة العلمية، ونحن لا نسمع أخبارا عنها إلا من قبيل تزايد عدد الجرائم، وملحمات العمدة شباط، ومهرجانات الموسيقى، وعبث الأجانب (حادثة سكر وعهر اللاعب البرازيلي رونالدو، استغلال الرياض في تصوير الأفلام الجنسية)..
مدينة فاس هي مدينة العلم والعلماء، مدينة العلامة ابن قطان الفاسي، والعلامة أبو عمران الفاسي..، وغيرهم كثير، فمن فضلكم أعيدوا لفاس روحها العلمية ولا تمسخوا هذه الروح ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *