الشعور بآلام الناس والقيام بخدمتهم وقضاء حوائجهم صورة من صور رحمة نبينا صلى الله عليه وسلم، وخُلق من عظيم أخلاقه، وصفة من جميل صفاته، قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم:4)، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(الأنبياء :107)، وقال صلى الله عليه وسلم عن نفسه: (إنما أنا رحمةٌ مهداة) رواه الحاكم وصححه الألباني.
من صور ومظاهر رحمة نبينا صلى الله عليه وسلم: رحمته ووصيته بالنساء عامة، وبالأرامل منهن خاصة، فكان يقول لأصحابه: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرا) رواه مسلم، وتكررت منه نفس النصيحة والوصية بالنساء في حجة الوداع، وهو يخاطب الآلاف من أصحابه وأمته من بعدهم.. وقد خصَّ النبي صلى الله عليه وسلم بوصيته بالنساء الأرامل منهن، والأرملة هي المرأة التي مات زوجها، قال ابن حجر: “الأرملة: هي التي مات عنها زوجها، ويُطلق على المحتاجة”.
ومما لا شك فيه أن الأرملة تحتاج إلى من يقوم على شؤونها ومصالحها، ويسعى في قضاء حاجاتها، ومن ثم أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بها، وبالسعي في قضاء حاجاتها، وجعل الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وكالذي يصوم النهار ويقوم الليل.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار) رواه البخاري، ولفظ مسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وكالقائم لا يفتر، والصائم لا يفطر).
قال ابن حجر: “السَّاعي: الذي يذهب ويجيء في تحصيل ما ينفع الأرملةَ والمسكين”، وقال النووي: “المراد بالساعي الكاسب لهما، العامل لمؤنتهما، والأرملة من لا زوج لها، سواء كانت تزوجت أم لا، وقيل هي التي فارقت زوجها.
قال ابن قتيبة: سميت أرملة لما يحصل لها من الإرمال وهو الفقر وذهاب الزاد بفقد الزوج، يقال: أرمل الرجل إذا فني زاده”.
وقال العيني: “الساعي على الأرملة هو الذي يسعى لتحصيل النفقة على الأرملة التي لا زوج لها”، وقال المناوي: “أي الكاسب لهما العامل لمؤونتهما، (كالمجاهد في سبيل الله) لإعلاء كلمة الله”.
وقال القاضي عياض: “في هذا الحديث فضل ما للساعي لقوام عيشه وعيش من يقوم به وابتغاء فضل الله الذي به قوام بدنه لعبادة ربه، وقوام من يمونه ويستر عوراتهم وأجر نفقاتهم أنه كالمجاهد، وكالصائم القائم”.
وفي شرح صحيح البخاري لابن بطال: “من عجز عن الجهاد في سبيل الله وعن قيام الليل وصيام النهار، فليعمل بهذا الحديث وليسْعَ على الأرامل والمساكين ليُحشر يوم القيامة في جملة المجاهدين في سبيل الله دون أن يخطو في ذلك خطوة، أو ينفق درهما، أو يلقى عدواً يرتاع بلقائه، أو ليحشر في زمرة الصائمين والقائمين وينال درجتهم وهو طاعم نهاره نائم ليلة أيام حياته، فينبغي لكل مؤمن أن يحرص على هذه التجارة التي لا تبور، ويسعى على أرملة أو مسكين لوجه الله تعالى فيربح فى تجارته درجات المجاهدين والصائمين والقائمين من غير تعب ولا نصَب، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء”.
أضف إلى ذلك أن الأرملة من أشد النساء معاناة نفسياً ومادياً -خاصة إذا كانت ظروفها المادية متعثرة-، وذلك جراء فقدانها لزوجها ووالد أولادها، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم منزلة وأجر من يسعى في قضاء حاجاتها، (كالمجاهد في سبيل الله، وكالقائم لا يفتر، والصائم لا يفطر)، ومن ثم فعلينا بالقيام بشؤونهن ومساعدتهن، مع الانضباط بضوابط الشرع في التَّعامل بين الرِّجال والنساء، من الستْر الشَّرعي، وغضِّ البصر، وعدم الاختِلاط والخلْوة، والاقتِصار في الكلام على قدْر الحاجة، ونحو ذلك من الضَّوابط الشرعيَّة التي هي من هدي وأوامر نبينا صلى الله عليه وسلم.