القيم التربوية الإسلامية ودورها في بناء الكمال الإنساني د. عبد المنعم اكريكر

1- قيمة التعلم
إن تقدم الإنسان ورقيه؛ إنما هو بصلاح صناعة التعلم عنده، وقد بلغ من أهميّة التعليم والتعلُّم أنْ جعل الله تعالى ذلك ممَّا اختصَّ به النوع الإنساني، وأظهر به مَزيته على الملأ الأعلى من الملائكة المقرّبين، فقال، سبحانه: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين» [البقرة:31].
ومن الدلائل، أيضا، على عِظَم أهميّة التعلُّم والتّعليم، أنْ أشار إليهما، سبحانه وتعالى، في أوَّل آياتٍ أنزلها من كتابه فقال سبحانه: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» [العلق:1-5].
فذكر «القراءة» التي هي من أهمّ وسائل تلقّي العلم وكسبه، وذكر «القلم» كنايةً عن «الكتابة» التي هي من أهمّ وسائل نقل العلم وتقييده وتعليمه.
كما تعتبر عملية التعلم من أبرز الأمور التي انشغل بها علماء النفس الحديث، وذلك لاعتبارها من أهم المظاهر الأساسية في تكوين الفرد عقليا ونفسيا وحركيا.
والمقصود بعملية التعلم هو التغير في الأداء والسلوك الناتج عن تأثير البيئة؛ بحيث يصنف هذا التغير وفق ثلاثة أبعاد رئيسية وهي البعد المعرفي، ويتمثل في تعلم المعلومات والحقائق والمفاهيم والقوانين، وغيرها، والبعد الحركي؛ ويتمثل في تعلم مهارات الحركة والكتابة والطباعة والرياضة وغيرها، والبعد العاطفي الوجداني ويتمثل في تعلم الاتجاهات والميول والقيم وغيرها.
وترتبط عملية التعلم بعملية النمو الإنساني؛ وهي عملية شاملة متكاملة من جميع الجوانب، وليست مقصورة على ناحية معينة، أو بعد معين دون الآخر؛ ويحدث من خلال هذه العملية تفتق لإمكانيات الفرد التي أودعها الله فيه، وتظهر في شكل قدرات ومهارات وصفات وخصائص شخصية وسلوكية.
إلا أن المحرك الأساس لعملية التعلم هو القابلية للتعلم، فلا يمكن أن يحصل تعلم من دون محل قابل له، وهذه قاعدة عامة يؤكدها القرآن الكريم، فلا يحصل شيء من دون الاستعداد لفعله، قال تعالى: «وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ» (محمد:17) وعليه وجب أن يكون المتعلم مؤمنا بقيمة التعلم مجداً ومواظباً، ولديه دافعية عالية تجاه العلم الذي يطلبه، يقول العلامة الزرنوجي: «لا بد من الجد والمواظبة والملازمة لطالب العلم، وإليه الإشارة في القرآن بقوله تعالى: «يا يحيى خذ الكتاب بقوة» (مريم:12) ويضيف: «ينبغي [على المتعلم] أن يتعب نفسه على التحصيل والجد والمواظبة بالتأمل، …وأن يجتهد في الفهم عن الأستاذ بالتأمل والتفكر وكثرة التكرار». (الزرنوجي، تعليم المتعلم في طريق التعلم:34-50، ط 1 1425هـ 2004م، الدار السودانية للكتب).
ومن ثم كان علماء التربية المعاصرون يشترطون لحصول القابلية أن يتوفر لذا الفرد استعداد ذاتي، للعمل المشترك مع الراشدين، لاكتساب معارف جديدة، ويؤكدون على ضرورة وجود خمس مواصفات عقلية لحصول القابلية للتعلم وهي: «الذكاء، والوعي، والمرونة، والإصرار، واستقلالية التفكير».
وهذه المواصفات الخمسة لقابلية التعلم يمكن جمعها في سلامة آلة التفكير (العقل)، وإدراك الواجب عمله في كل موقف أو سلوك أو رأي أو غير ذلك.
ولهذا كان الإسلام حاسما في منع كل ما من شأنه أن يعطل آلة التفكير العقل، كما تكفل الله بإمداد الإنسان بكل ما يساعده على المعرفة الحقة التي تؤهله للقيام بدور الاستحلاف عن الله تعالى في أكمل صورة وأحسنها.
فإذا كان يفترض في الإنسان أنه عاقل فيبقى النظر في كيفية إدراك المعارف والعلوم والتمكن منها واستخدمها لما فيه صلاح الإنسان في العاجل والآجل، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة وجود فلسفة إسلامية تؤطر عملية التعلم وتنظمه، لتجعله قيمة في حد ذاته، يسعى الإنسان جاهدا من أجل تحصيل وسائله ومقاصده.
إن الإيمان بأهمية إدخال البعد التربوي الإسلامي في التعلم يجب أن يكون من الأهداف التى يسعى إليها القائمون على التعليم في البلدان الإسلامية وذلك لكونه مرتبطا بالجانب الوجداني والعمق التاريخي، ولا يمكن للأمة أن تنهض وهي معرضة كل الإعراض عن الوجدان والتاريخ.
وقد بين الحق سبحانه وتعالى أن الخير للإنسان في حصوله على الحكمة، وعليه أن يسعى جادا في طلبها وتعلمها، كي يحقق الاستخلاف المطلوب عن الله تعالى بصلاح الدين والدنيا.
إن وجود القيم التربوية الإسلامية في عملية التعلم سيكون أداة فعالة للتقدم والرقي، وخطوة أساسية لبناء نهضة حضارية، ومبدأ أساسيا في تربية المسلم تربية صحيحة ومتوازنة، تحافظ على الخصوصية الحضارية، وتحقق الفاعلية والإنتاجية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *