بين الإدماج والعنصرية ذ. الحسن العسال

في فينلاندا:
في فينلاندا تقوم المؤسسات الكنسية باحتضان المهاجرين المهددين بالطرد، وتمتلك صلاحيات سياسية، تسمح لها بأن تتحكم في كافة المراحل الحياتية والثقافية، بل والمعيشية لتلك العائلات والأسر التي لجأت للكنيسة، بحيث تجبرها على التخلي عن عاداتها وقيمها الإسلامية، وتبني العادات الغربية التي تتصادم مع مبادئ الشريعة الإسلامية، أو قل حتى مع الفطرة الإنسانية السليمة.
ويزداد الخطر على الأسر المسلمة لأن المؤسسات الاجتماعية التي “تحتضنها” تملك صلاحيات قانونية وسياسية واسعة، مما يسمح لها بأن توجه أي أسرة الوجهة التي تروق لها! خصوصا وأن الغالبية العظمى من تلك الأسر تعيش تحت وطأة المساعدات الاجتماعية، التي تخول للمؤسسة الاجتماعية حق الإشراف على الأسرة ومراقبتها، ومراقبة أولادها مراقبة دقيقة، ساعية لإخضاعها للقواعد والقوانين السارية في الدولة، مما أوقع آلاف الأسر في مشاكل مع هذه المؤسسات، لأنها تتدخل في التفاصيل الخاصة للأسر المسلمة، إلى درجة أنها تقضي بعدم صلاحية الأبوين لتربية الأبناء، وبالتالي يصادرون من حضن أسرهم، ويوزعون على أسر فنلاندية، تسارع في استبدال أسمائهم بأسماء غربية، والعملية متاحة بحكم القانون، وتتم في خمس دقائق لدى مصلحة الضرائب، ثم يبعث بهم إلى مناطق نائية عن محل سكنى ذويهم، لا لشيء إلا لأن خلافا وقع بين رجل مسلم وزوجته، تتدخل فيه المؤسسة الاجتماعية “لوضع حد لهذا الخلاف في الظاهر”.
ولأن الشيطان يكمن في التفاصيل، فقد تدعي الزوجة أن زوجها حاول ضربها، مما يجعل الزوج عرضة للسجن من سنتين إلى خمس سنوات، ولكي يحمي الزوج نفسه، أو بدافع الانتقام يدعي هو أيضا أن الزوجة حاولت ضربه، مما يفسح المجال واسعا للمؤسسة الاجتماعية بالتدخل الفج، وإصدار حكمها الجائر بعدم صلاحية الزوج والزوجة لتربية أطفالهما، فتصدر قرارا بانتزاع الأطفال من أبويهم، ومنحهم لأسر فنلاندية في مناطق بعيدة عن محل سكناهم الأبوي، لتعود نخاسة الأطفال في ثوب حداثي، والأخطر من هذا كله، أنهم يعملون على تنصير هؤلاء الأطفال في مؤسسات كنسية! كي يتم إدماجهم بالإكراه الناعم.
ولأن الهدف هو الإدماج، الذي يعني إفساد فطرة الأطفال المسلمين التي فطرهم الله عليها، بعدما عجزوا عن إدماج ذويهم، فإن أي جار فنلاندي، إذا سمع خصاما بين زوجين مسلمين، يبلغ الشرطة فورا، والتي تبلغ بدورها المؤسسة الاجتماعية، التي توفد هي الأخرى وفودها لهذه الأسرة، “لتقيم الحجة الجاهزة”على أن الأبوين غير صالحين لتربية أبنائهم.
وفي نفس السياق قال رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان التركي “أيهان سفر أوستون” إن: “أكثر من 5 آلاف طفل من أصل تركي في أوروبا، أخذوا من عائلاتهم، ومنحوا لعائلات مسيحية، دون الاستناد إلى حكم قضائي.”
ووصف أوستون هذه العملية بـ”الإدماج القسري”، معتبراً أنها لا يمكن أن تفسر بشكل آخر، طالما لم تتم بقرار قضائي، إذ تقوم الإدارات المسؤولة عن الشباب في الدول الأوروبية بأخذ الأطفال من العائلات التركية، استنادا إلى “مبررات واهية”، وتسلمهم لعائلات مسيحية.
وأكد أوستون، على “قدسية” حق الولاية للآباء على أبنائهم، الذي هو من الحقوق الأساسية للوالدين، مشيرا إلى مخالفة هذه العملية، التي لا تتضمن أي بعد إنساني لحقوق الإنسان العالمية.
وأفاد أوستون، أن هؤلاء الأطفال يُنتزعون تماماً من بيئتهم وثقافتهم، ويُمنعون من لقاء والديهم، وضرب مثلا لطفلة التقاها في ولاية “ساكاريا” بتركيا، لم تعد قادرة على الحديث بالتركية، حيث يفقد هؤلاء الأطفال لغتهم الأم، التي تعد من أهم العناصر المشكلة لشخصية الإنسان، في حين لا يمكن حتى الاستفسار عن وضعهم الديني.
واعتبر أوستون أن منح الأطفال لعائلات تعتنق ديناً مختلفاً، أمر مخالف لحقوق الإنسان، وأشار إلى حكم محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، ضد منح طفل من عائلة مسيحية إلى عائلة من “شهود يهوه”.
وتساءل أوستون، عن سبب عدم منح هؤلاء الأطفال لعائلات مسلمة، بحيث تتم تنشئتهم في وسط ثقافي، قريب من وسطهم الأصلي، مؤكداً وجود كثير من العائلات المسلمة الناجحة في أوروبا.
وأفاد أوستون، بتلقي لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان التركي، عددا كبيرا من الالتماسات من عائلات تركية تعيش في أوروبا، بخصوص هذا الموضوع، وأعلن أن اللجنة ستبدأ العمل على إيجاد حل هذه القضية.
وفي سويسرا:
وفي سويسرا المحايدة جدا، والمسالمة جدا كشف المتحدث باسم وزارة الخارجية السويسرية “جورغ والبان” أن السلطات السويسرية أصدرت قراراً جديداً ملزماً بمنع الداعية محمد العريفي من دخول سويسرا وجميع دول الاتحاد الأوروبي الـ24، مشيرا إلى أن قرار الحظر يمتد خمسة أعوام.
وأشار “والبان” إلى أن قرار الحظر الأول ضد دخول العريفي الذي بدأ نهاية دجنبر الماضي 2012 كان مدته ستة أشهر، وأصدره مكتب الهجرة الفيديرالي السويسري لأسباب تتعلق “بالأمن العام”، وأضاف أن مكتب الشرطة الفيديرالي السويسري تولى هذه المرة إصدار قرار الحظر الجديد.
وأضاف: “تمّ استبدال قرار حظر دخول العريفي إلى سويسرا الذي أصدره مكتب الهجرة الفيديرالي في دجنبر الماضي، ومدته ستة أشهر تنتهي في يونيو المقبل، بآخر صادر عن مكتب الشرطة الفيديرالي ومدته خمسة أعوام دخلت الآن حيز التنفيذ.”
وكان العريفي يعتزم المشاركة في المؤتمر السنوي الثاني للمجلس الإسلامي المركزي السويسري.
وفي فرنسا:
العنصرية تضيق ذرعا بالأحياء والأموات على السواء، ففي 2010 تم الاعتداء على ثمانية عشر قبرا لرفات مسلمين بمدينة ستراسبورغ، وعبث مجهولون بشواهدها، وهؤلاء المجهولون سيضلون كذلك، لأنه لا أحد سيشتبه فيه، ولا منزل سيداهم، كما يكون الأمر لو كان المشتبه مسلما، أو أريد له أن يكون مسلما، وقد اعترف وزير الداخلية آنذاك “بريس أورتوفو”، أن مسلمي فرنسا غالبا ما يتعرضون لاعتداءات غير مقبولة، وكأن الاعتداء فيه المقبول والمرفوض !
كما اعترفت العمدة السابقة لستراسبورغ “فابيان كيلر”، بأنها عايشت إبان منصبها ثمانية عمليات تدنيس للقبور، كما أكدت أن هناك متطرفين يحملون أفكارا معادية للمسلمين.
وهوجمت امرأة مسلمة (21 عاما) -والتي كانت في الشهر الرابع من حملها- جسديا من قبل اثنين من الرجال. في البداية حاول المهاجمون خلع حجابها ثم قاموا بقص شعرها ومزقوا جزء من ملابسها. وبعدما صرخت بأنها حامل، بدأ واحد من المهاجمين الركل في بطنها.
ثم تم اقتيادها إلى مستشفى “ارغنتويل” حيث خضعت للعلاج من الإصابات التي لحقت بها، إلا أنها أجهضت جنينها.
وذكرت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية أن الشرطة قالت إن الرجال قد صاحوا بالشتائم العنصرية في وجه المرأة، مرددين أن حجابها لم يعد مقبولا في فرنسا.
وفي أمريكا:
وفي برنامج أمريكي بكاميرا خفية، ظهر الوجه العنصري لأمريكا المتحضرة جدا، إذ امتنع متطرف أمريكي أن يبيع لامرأة مسلمة ترتدي الحجاب في مخبز صغير في أعماق التكساس، وأردف قائلا: “هذه أمريكا، ونحن في حرب معكم”، وعندما تساءلت المسلمة عن السبب، قال بكل بساطة: “أنت إرهابية”، دون أن يدور بخلده أن أمريكاه هي من أرهبت المسلمين الآمنين.
والغريب أن هناك زبائن آخرين سمعوا كل هذه العنصرية، ولم تصم آذانهم، لأن الأمر عندهم عاد، لذلك زاد المتطرف في عنصريته بالقول: “عودي للركوب على جملك”، وعندما ردت عليه بأنها أمريكية ولدت في أمريكا، أجابها أن الأمريكيين لا يرتدون المناشف على رؤوسهم.
فلو بدر هذا من مسلم في إحدى البلاد العربية لهدد البيت الأبيض بقطع المساعدات، ولاجتمع مجلس الأمن، ولخرج الاتحاد الأوربي ببيان، وتبعهم البيادق ينددون، ويحاضرون في التسامح، لكن عندما يكون الأمر يخص المسلمين، فيدخل في حرية الأمريكي الشخصية، بأن يختار لمن يبيع، مع أن القانون الأمريكي يمنعه من رفض خدمة الناس بناء على عرقهم أو دينهم.
وأبشر دعاة الحرية الشخصية بأن أحد الزبائن الذي بلغ من الكبر عتيا قد علل رفض التاجر بالبيع لمسلمة بالقياس برفض بيع لمن أتى عاريا أو حافي القدمين، وعندما ناقشه صاحب البرنامج الذي له ملامح آسيوية، اتهمه هو الآخر بأنه ليس أمريكيا، فأين الحرية الفردية، والعقلانية، والتنويرية، في هذا الكلام؟ وللإمعان في العنصرية أردف التاجر قائلا: “وما أدراني أنك تحملين قنبلة؟” كلام الحمقى والمجانين.
هذا غيض من فيض العنصرية الذي يتمتع به الأمريكيون، لأن المرأة المسلمة مجرد ممثلة، قامت بهذا الدور لتكشف ما يتعرض له المسلمون من عنصرية في أرض الحلم الأمريكي، لأنها أكدت أن التمييز بالنسبة إليها حقيقي، لأن الأمريكيين يصنفونها دائما بأنها العدو، وتتعرض للإساءة الكلامية في الجامعة، وتعرضت مرة للاعتداء الجسدي فقط لأنها مسلمة.
ثم أعاد مقدم البرنامج الكَرَّة مع التاجر العنصري بصحبة المسلمة، فكانت الحصيلة: ستة أيدوا العنصري، وثلاثة عشرا شخصا عارضوه، واثنان وعشرون ظلوا متفرجين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *