البحث عن السعادة بين الحقيقة والخيال بقلم: عبد الحق كدام

كل ناظر متمعن في أحوال الناس وفي أعمالهم وتصرفاتهم، في همومهم وقضاياهم ليعلم علم اليقين أن الكل يسعى إلى غاية معينة وهدف منشود وهو القاسم المشترك بينهم، فالغني والفقير، والقوي والضعيف، الذكر والأنثى الصالح والطالح، كل يبحث عنها حسب طريقته الخاصة به، والتي هي إما طريق أمرَ بسلوكها الرحمان، وإما طرق زينها الشيطان، ولعل القارئ الكريم علم المغزى من خلال العنوان: نعم إنها السعادة، كثيرا ما سلك الناس طرقا معوجة زعما منهم أنهم سيجدونها، والكل يعلم أن من حصل عليها ورسا على شاطئها فقد حصل على كنز ثمين، أمنية عزيزة غالية، وسيكون بإذن الله في ظلالها وتحت أغصانها شاكرا في سرَّائه صابرا في ضرَّائه، وهو مع ذلك مطمئن القلب هادئ البال سليم الصدر آمنا فرحا مستبشرا، ولذا طلبها الناس طلبا حثيثا وتعددت واختلفت طرق بحثهم عنها، فمن الناس من ظنها في جمع المال وكثرة الضيع والعقارات فلما وصل المسكين إلى قمة هرم الثروة عوض أن يجد السعادة فوجئ بالتعاسة، فلم يطمئن قلبه ولم يهدأ باله و إنما وجد نفسه مهموما محزونا مفضوحا لا مستورا، وقد يُسائل نفسه عن سبب هذا الشقاء, فالغم كثير والحزن طويل والجسد عليل وجزء كبير من ماله يذهب في متطلبات الدواء، والأسرة مفككة فاقدة لروابطها الدافئة، وكل فرد لا يعرف إلا نفسه وكلما أدبرت معضلة طرقت بابه أخرى وهكذا دواليك.

هل يحقق الإنسان سعادته بالمال وحده؟
من أراد الإجابة الصادقة على هذا السؤال فسيجدها أمام عينيه ظاهرة واضحة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم”، (أخرجه البخاري وابن ماجة)، فسبب تعاسته أنه جعل الدنيا غاية لا وسيلة ومقرا لا ممرا، وجد واجتهد من أجلها ونسي أو تناسى أن الدار الآخرة هي دار القرار، وبالتالي كان الجزاء من جنس العمل بدل أن يجد السعادة فوجئ بالتعاسة هذا في الدنيا، “وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى” (طه).
ومن الناس من ظنها في لبس القصير وتعرية الصدور والسعي إلى اللهو والسفور والاستمتاع بالمجون والفجور، فهي أو هو من سهرة إلى أخرى ومن موعد مع امرأة شقراء إلى آخر مع سمراء، ومن بلد تكسو جباله الثلوج إلى آخر تغطي سهوله المروج، لكنهم أيضا سرعان ما يستفيقون من سباتهم العميق على وقع مصيبة من المصائب إما ابتلاء بمرض من الأمراض الخطيرة، أو مشكل من المشاكل العسيرة وما أكثرها في مجتمعنا، والواقع أكبر برهان على ذلك، والأفظع من هذا أنهم أثناء سير حياتهم وهم على حال العصيان فإنهم أشقياء تعساء فقدوا الاطمئنان والروية، وجروا في الدنيا جري الوحوش في البرية، وإن زعموا أنهم بوحشيتهم هذه أنهم سعداء، فقد كذبوا وصدق الشاعر إذ يقول:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله *** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
وسبب هذا كله لا محالة العصيان، يقول بن القيم رحمه الله: “من تدبر العالم والشرور الواقعة فيه علم أن كل شر في العالم سببه مخالفة الرسول، والخروج على طاعته، وكل خير في العالم فإنما سببه طاعة الرسول..، وهذا كما أنه معلوم في الشرور العامة والمصائب الواقعة في الأرض فكذلك في الشر والألم والغم الذي يصيب العبد في نفسه فإنما هو بسبب مخالفة الرسول، ولأن طاعته هي الحصن الذي مَن دخله كان من الآمنين والكهف الذي مَن لجأ إليه فهو مِن الناجين” الرسالة النبوية ص 135.
وخلاصة القول فإن كل الباحثين عن السعادة السالكين إليها طرق الضلالة لن يجدوا إلا سرابا ولن يسُفُّوا إلا ترابا ولن يحصدوا إلا عذابا، فالشرارة لا تنتج إلا نارا والمعصية لا تثمر إلا التعاسة ليلا ونهارا، فالشر لا شك عاقبته الخزي، والإثم لا ريب مآله الندم، وبالعكس فالطاعة لا تأتي إلا بالسعادة, والخير لا يجلب إلا اطمئنان البال وراحة النفس، قال ابن عباس رضي الله عنهما: “إن للحسنة ضياء في الوجه، ونورا في القلب، وقوة في البدن، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، وان للسيئة سوادا في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنا في البدن، ونقصا في الرزق، وبغضا في قلوب الخلق”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *