د. زينب عبد العزيز تعدُّ ترجمة جديدة لمعاني آيات القرآن الكريم باللغة الفرنسية إعداد: نبيل غزال

انزلق البعض سهواً واستخدموا نفس الصيغ المدسوسة -من المستشرقين- بدهاء لينقلوها إلى ترجماتهم، ولا نذكر هنا على سبيل المثال إلا ذلك الذي نقل عبارة چاك بيرك التي ترجم بها (أن الله يتوب) بمعنى أنه يتوب عن خطأه هو (والعياذ بالله) بدلا من أنه يتوب على أخطاء البشر!

أصدرت «مؤسسة الإدريسي الفكرية للدراسات والأبحاث» ترجمة جديدة لمعاني آيات القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية؛ وقد سهر على إنجاز هذا العمل الكبير؛ الذي استغرق 15 سنة؛ الدكتورة زينب عبد العزيز، أستاذة الحضارة والأدب الفرنسي بجامعة القاهرة، ومشرفة سابقة على قسم اللغة الفرنسية بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر، وعضوة عاملة في لجنة العلوم الاجتماعية بهيئة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة، والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ولجان مجمع البحوث الإسلامية.
وأعربت الدكتورة زينب وهي من مواليد 19 يناير 1935م أن عملها هذا يفرضه واجب الوقت، لأن كل الترجمات الموجودة حالياً بها العديد من المآخذ.. وأن مدى الانحرافات يتسع من السهو غير المقصود إلى التحريف المتعمد، مرورا بكل الصعوبات التي تضعها اللغة الغربية أمام المترجم.
كما أكدت الدكتور زينب في مقدمة الترجمة أنه بالنظر إلى الجانب القدسي للقرآن الكريم وإعجازه أثارت مسألة ترجمة القرآن إلى لغات أخرى مجادلات في البلدان الإسلامية، لذلك لم يتول القيام بالترجمات إلا المستشرقين، الذين يمتلكون ناصية لغتهم الأم، ولكنهم أبعد ما يكونون عن امتلاك معرفة باللغة العربية تكون على نفس المستوى. الأمر الذي أدى إلى نتائج مؤسفة..
وهذا الرفض لترجمة القرآن، والذي بدأ بصورة عامة في البلدان الإسلامية، ظل قائماً حتى مطلع القرن العشرين. لكن، نظراً للعدد المتزايد للمسلمين في العالم والذين لا يوجد بين أيديهم سوى ترجمات خاطئة، ونظراً لأن نفس هذه النصوص المحرفة كانت المورد الوحيد الذي ينهل منه القارئ غير المسلم معلوماته عن الإسلام، وبذلك يحتفظ بأفكار خاطئة وعلى غير أساس من الصحة، فقد غير المسلمون موقفهم ليتولوا قضية الدفاع عن الإسلام وينهضوا بمهمة ترجمة معاني القرآن.
موقف علماء الأزهر من هذه الترجمة
وحول ترجمة القرآن الكريم إلى لغات أخرى وجهت الدكتورة زينب سؤالا إلى علماء الأزهر جاء كالتالي:
«هل الإقدام على محاولة جديدة يعد جائزاً من الناحية الدينية أو غير جائز؟».
«مع مراعاة أنه سيقال أن هذه الترجمة ليست القرآن، ولا تتضمن خصائص القرآن، وليست هي ترجمة كل المعاني التي يتضمنها أو التي فهمها العلماء، وأن هذه الترجمة ستطبع وحدها بجوار النص العربي للقرآن».
فجاء جواب العلماء:
«الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، رداً على سؤالكم الذي طالعناه بكل تفاصيله، نحيطكم علماً بأن الإقدام على الترجمة على الوجه المذكور تفصيلا في سؤالكم جائز شرعاً، والله سبحانه وتعالى أعلم».
ويلي ذلك توقيع العلماء الذين أصدروا هذه الفتوى، وهم جميعاً أعضاء بجماعة كبار العلماء:
– محمد الديناري: عضو جماعة كبار العلماء وشيخ معهد طنطا.
– عبد المجيد اللبان: شيخ كلية أصول الدين وعضو جماعة كبار العلماء.
– إبراهيم حمروش: شيخ كلية اللغة العربية وعضو جماعة كبار العلماء.
– محمد مأمون الشناوي: شيخ كلية الشريعة وعضو جماعة كبار العلماء.
– عبد المجيد سليم: مفتي الديار المصرية وعضو جماعة كبار العلماء.
– محمد عبد اللطيف الفحام: وكيل الجامع الأزهر وعضو جماعة كبار العلماء.
– دسوقي عبد الله البدوي: عضو جماعة كبار العلماء.
– أحمد الدلبشاني: عضو جماعة كبار العلماء.
– يوسف الدجوي: عضو جماعة كبار العلماء.
– محمد سبيع الذهبي: شيخ الحنابلة وعضو جماعة كبار العلماء.
– عبد المعطي الشرشيمي: عضو جماعة كبار العلماء.
– عبد الرحمن قراعة: عضو جماعة كبار العلماء.
– أحمد نصر: عضو جماعة كبار العلماء.
– محمد الشافعي الظواهري: عضو جماعة كبار العلماء.
«حيث أن الترجمة المرادة هي ترجمة لمعاني التفسير الذي يضعه العلماء فهي جائزة شرعاً، بشرط طبع التفسير المذكور بجوار الترجمة».

رأي الإمام السابق للأزهر الشريف
بسم الله الرحمن الرحيم
وجهت هذا السؤال إلى جماعة كبار العلماء، وإني أوافقهم على ما رأوه.
ولا أرى داعياً للتحفظ الذي أبداه الشيخ عبد الرحمن عليش وهو «طبع التفسير مع الترجمة لعدم الحاجة إلى ذلك بعد مراعاة الشروط المدونة في السؤال».
رئيس جماعة كبار العلماء
محمد مصطفى المراغي

من الذي قام بالترجمات السابقة للقرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية؟
تذكر الدكتورة زينب عبد العزيز أن الترجمات الكاملة لمعاني القرآن الكريم التي استطاعت الحصول عليها والرجوع إليها هي الترجمات التالية مرتّبة وفقا لتاريخ صدورها وبالهجاء الفرنسي لكلمة قرآن:
• دي رييه: لو قراّن دي ما أوميه، 1647.
• سافاري: الكرآنْ، 1783.
• كازيمرسكي: الكرآنْ، 1840.
• مونتيه: الكرآنْ، 1929.
• لايمسن: الكرآنْ، 1931.
• پيل وتيجاني: الكرآنْ، 1954.
• بلاشير: الكرآنْ، 1966.
• ماسون: الكرآنْ المتعذر تقليده 1967.
• محمود بن نابي: الكرآنْ، 1976.
• جروچان: الكرآنْ، 1979.
• كشريد: الكرآنْ الكريم 1984.
• بوبكر: الكرآنْ، 1985.
• أحمد م.ت. : الكرآّنْ المقدس، 1985.
• حميد الله : الكرآنْ المقدس، 1986.
• خوام: الكرآنْ، 1990.
• بيرك: الكرآنْ، 1990.
• شوراكي: الكرآنْ، 1990.
• مجمع الملك فهد: الكرآنْ المقدس، 1994.
• مازيغ: الكرآنْ (بدون تاريخ).
وكما هو واضح، فإن عشرة من هذه الترجمات قد قام بها مستشرقون، وواحدة منها تمت بالاشتراك بين مستشرق ومسلم، وثمانية منها قام بها مسلمون أو مؤسسات إسلامية.
ومن هنا يمكن القول إجمالاً أن كل ترجماتهم، وبلا استثناء، تنطلق من نفس النقطة: رفض حقيقة أن القرآن منّزل من عند الله، ومحاولة تأكيد أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم هو مؤلفه، وإنكار أميته، ومحاولة إثبات أنه نقل عن القدامى أو قلدهم، وبرهنة أن هذا القرآن لا يتضمن أي تشريع يذكر وأنه في الواقع ليس سوى كمّ من العبارات المثيرة للسخرية أو المليئة بالغموض، ليصلوا جميعاً بصورة أو بأخرى إلى نفس النهاية: أنه عمل مليء بالخزعبلات جدير بأن يلقى..
وإن لم يكن القرآن يسهل لهم هذه «المهمة» عن طريق اختيار عبارات معينة، فإن الهوامش والتعليقات في آخر الصفحات إضافة إلى المقدمات التي يكتبونها تعطي لهم المساحة الكافية لتزييف المعنى وتحريفه كما يبغون..
وجميعهم تتضافر جهودهم ليلجؤوا إلى نفس التقنية: إخفاء أو التلاعب بالآيات التي تدين عقيدة الثالوث؛ وكل تلك التي تثبت عمليات التحريف التي تعرض لها الإنجيل الأصلي، إنجيل يسوع، بكل الصور، من قبيل: تغيير أماكن الكلمات، تبديل المعنى، تحريف، الخ… وخاصةً تلك الآيات التي تدين تأليه المسيح عليه السلام.
كما أن كل هؤلاء المترجمين يتفقون لاستبعاد أي تشابه بين المعطيات الأساسية، بما أن رسالة التوحيد واحدة وهي: وحدانية الله عزّ وجلّ.
وكذلك فإن اختيار الكلمات يخضع لنفس الدهاء.. فكلمة الجنة Paradis مثلاً لن تظهر تقريباً في هذه المجموعة من الترجمات، لكنهم سيضعون بدلا منها كلمة حديقة Jardinوهو نفس الأسلوب المستخدم للتلاعب بفعل (يتوب) الذي ذكر فيما سبق. فإن كلمة جنة باللغة العربية تعني الاثنين: المعنى الأخروي؛ والحديقة أو البستان، والمعنى العام للسياق هو الذي يحدد الاختيار.
تلك كانت، في خطوطها العريضة، التوجهات المسبقة التي يتبعها المستشرقون، والفرق الموجود بين كل ترجمة من ترجماتهم ليس، في الواقع، سوى اختلاف في الأسلوب وفي التحايل، لكن القاسم المشترك بينها يظل واحداً.
والتقرير الذي قدمته اللجنة المكلفة بمراجعة «ترجمة القرآن» التي قام بها چاك بيرك يوضح ما فيه الكفاية ويكشف إلى أي مدى يمكن القول بأن القرآن لم يُقدم بأمانة أبداً من قبل المستشرقين، في أي لغة أجنبية، ولا بأي صورة تجعله مفهوماً حقاً.
كما أن المطلع على التقرير يشعر بالكدر عندما يعرف أن «چاك بيرك» كان عضواً بمجمع اللغة العربية بالقاهرة، وأستاذاً فخرياً بالكوليج دي فرانس! وهي الإجازة الوحيدة التي توج بها عمله لينشره!
تلك هي الأسباب التي أدت إلى ما أثارته ترجمة «چاك بيرك» من ردود أفعال لا مثيل لها، في مصر وفي العالم الإسلامي، منذ ظهورها وأدت إلى إدانتها.
ولا يتسع المجال هنا للرد على كل هذه المعطيات التي تناولها المستشرقون بصور متفاوتة، لكننا لا نستطيع إغفال ذلك المطلب المتكرر من «چاك بيرك» وشركائه، ألا وهو إخضاع القرآن للنقد التاريخي وتطبيق أساليب اللغويات الحديثة عليه، وإخضاعه للنقل في الحاضر. هذا؛ وقد خصصت الدكتورة زينب عبد العزيز مؤلفا خاصا للرد على شبهات وافتراءات «چاك بيرك» عنونته بـ: «وجهان لچاك بيرك».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *