يستغرب المرء من طغيان الثقافة العلمانية حتى على بعض من ينتصب للرد على الحداثيين وتطرفهم العلماني, ومثال ذلك الاحترام المطلق الذي يوليه الغيورون على هوية الأمة لحرية التعبير,هذه الحرية التي يستغلها العلمانيون أبشع استغلال في هدم الثوابت والمقدسات الدينية.
فعندما نشجب الفعل نشجب من يفعله ومن يدعو له ويروجه, ولا نعطي الحق لأحد في مخالفة ما هو معلوم من الدين بالضرورة وانعقد الإجماع على عدم جواز ارتكابه, فلا يمكن أن نستنكر مثلا الشذوذ الجنسي أو الدعارة بوصفهما فعلين حرمهما الله سبحانه، في حين نقول من حق صحيفة ما أن تختار لنفسها الدفاع عن الشواذ أو العاهرات.., فليس لأحد أن يوجب حقوقا تخالف أوامر الله, أو تدعو إلى محرمات حظرها الله.
إن حرية التعبير بالمعنى المتعارف عليه دوليا تبقى ذات مفهوم علماني صرف لا يعترف بمقدس في الوجود, وهذا ما يفسر دفاع بعض العلمانيين وسكوت بعضهم الآخر عن المستهزئين بالله وآياته ورسوله, أمثال سلمان رشدي والصومالية حرسي علي ونصر حامد أبو زيد ونوال السعداوي وإلهام مانع وشاكر النابلسي والعفيف الأخضر, فكل هؤلاء يجمع بينهم قاسم مشترك وهو الاستهزاء بالله وآياته ورسوله بدعوى حرية التفكير والتعبير.
ولمعرفة الغرب جيدا بالآثار الخطيرة لحرية التعبير بالمفهوم العلماني على تمسك المسلمين بدينهم, يقدم ساسة الغرب ومثقفيه الحماية لكل مَنْ يملك جرأة الاستهزاء والمس بعقيدة المسلمين وشعائرهم الدينية من المنتسبين للإسلام, وفي هذا الإطار يندرج تكريم ملكة بريطانيا مؤخرا لصاحب كتاب “آيات شيطانية” بإعطائه وسام درجة فارس وهو من أعلى الأوسمة في بريطانيا, هذا فضلا عن الاحتضان وتوفير الحماية الشخصية له.
نفس الشيء قامت به هولندا مع العلماني المحرف للقرآن والسنة نصر حامد أبو زيد, ففي الوقت الذي تدينه المحكمة المصرية بتهمة الردة وازدراء الإسلام، وهي جريمة عقوبتها الإعدام وفقا للشريعة الإسلامية, تقدم له هولندا من جهتها الحماية والأمن حتى يستكمل مشروعه في هدم ثوابت الإسلام، وتفتح له جامعاتها حتى توفر له القيمة الأدبية والقوة الأكاديمية حيث سمحت له بأن يحاضر بجامعة “لايدن” وبجامعة العلوم الإنسانية بـ”أوترخت”, بينما يقوم إخوانه من العلمانيين في نونبر 2005م بتكريمه بجائزة ابن رشد لحرية الفكر.
ولقد استطردت في الكلام عن هؤلاء العلمانيين لأنهم يمثلون أنشط الأقلام التي تنشر لها الجرائد في المغرب وغيره من البلدان العربية باسم حرية التعبير والتفكير!
لقد بات من الضروري أن ننزع عن حرية التعبير والتفكير القداسة التي كساها إياها الغرب الملحد, وأن نضعها موضع النقد وفق ما يسمح به ديننا الحنيف، حتى لا نصل إلى اليوم الذي تعرض فيه باسم حرية التعبير والإبداع مسرحية “موتسارت” الشهيرة باسم “ايدومينيو” ويقوم فيها ممثلون مغاربة بإقحام مشهد قطع رأس النبي محمد عليه الصلاة والسلام, كما وقع في ألمانيا بـ “أوبرا برلين” ولم يمض أسبوعان على تصريحات “بابا الفاتيكان” المسيئة للإسلام. حيث أقحم في المسرحية نفسها مشهد ختامي يظهر فيه أحد الممثلين حاملا حقيبة مليئة برؤوس مقطوعة، وبحرص شديد أخرج الرجل الرؤوس من الحقيبة ووضع كل رأس منها على كرسي ليفاجئ المشاهدين بأن هذه الرؤوس التي يرونها أمامهم هي رؤوس, بوذا والمسيح والرسول محمد صلى الله عليه وسلم، و”بوسيدن” إله البحار الاغريقي, تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
فكانت رسالة هذا المشهد الختامي للمسرحية واضحة وصريحة ووقحة, وهي أن كل الآلهة قد ماتت، وأن على الإنسان أن يتولى قدره ومصيره بنفسه وهي فكرة غير غريبة على العالم الغربي العلماني, وعلى ألمانيا بالذات بلد “نيتشه” الذي أعلن من قبل أن الله قد مات سبحانه عما يقول الكافرون.
إن هذه الأفكار نفسها تمثل الخط التحريري لكتاب الجرائد والمجلات العلمانية في المغرب بدعوى حرية التعبير والتفكير، فمتى يفطن المغاربة إلى أعداء دينهم وهويتهم؟